لم تحمل قمّة «مجموعة العشرين» الكثير من الإيجابيات لتركيا. بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منزعجاً وغاضباً من ما أُعلن عند اختتامها في العاشر من أيلول الحالي. القمّة المعقودة في نيودلهي الهندية، حضرها كل زعماء الصف الأول للدول الأعضاء، باستثناء الرئيسَين الروسي والصيني، وأعلنت عن إقامة «ممرّ تجاري» يصل الهند بأوروبا عبر دول الشرق الأوسط وإسرائيل واليونان، ويستثني تركيا منه.
يهدف هذا الممر إلى تسريع عمليات النقل التجاري بين الهند وأوروبا، كما توفير الكثير من الأموال التي تُدفع حالياً جرّاء عمليات النقل المعقّدة والمتشعّبة. تستفيد الأولى من تعزيز صادراتها وهي مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية بشكل أساسي لتكون حاجزاً أمام الطموحات الصينية و»طريقها الحريري»، فيما تستفيد أوروبا عبر تنويع مصادر السلع القادمة إليها بأسعار رخيصة. لم يرُق هذا الأمر لتركيا المستثناة من الممرّ، فأعاد أردوغان إحياء ممرّ قديم كان قد تناساه العالم لمواجهة المشروع المطروح، واسمه «مشروع طريق التنمية» الذي يصل دول الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر العراق.
«حرب الممرّات» هو التعبير الذي بدأ الإعلام الغربي استخدامه لوصف المواقف المرتبطة بما يجري على صعيد التجارة والسياسة العالمية. ينحاز البعض إلى الممرّ التجاري الجديد الرابط بين الهند وأوروبا، فيما يصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بـ»أنه فعلاً مشروع مهمّ». أما معارضو الممرّ الجديد، فتبدو تركيا في مقدمهم، وقد شدّد رئيسها خلال ختام قمّة «مجموعة العشرين» على أنّه «لا ممر من دون تركيا»، مؤكّداً أن «بلادي هي قاعدة أساسية للإنتاج والترانزيت. والخط الأمثل من الشرق إلى الغرب يجب أن يمرّ عبر تركيا».
غالباً ما يُطرح الكثير من الأفكار حول الممرّات التجارية التي يمكن تنفيذها، إلا أن معظمها يبقى حبراً على ورق ومجرّد خطوط مرسومة على الخرائط في مراكز الأبحاث العالمية. بينما لا يبدو «ممر الهند – أوروبا» من صنف هؤلاء الممرّات التجارية التي سيكون مصيرها الإهمال والنسيان، إذ وقّع كل من الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم تقضي بالسير بالأعمال التي تتضمّن إنشاء سكك حديد وإصلاح بعض المرافئ البحرية وتوسيعها لتستوعب المزيد من الحاويات والسفن.
تريد الولايات المتحدة الأميركية من الهند أن «الوقوف على رجليها» والتنافس الحازم مع الصين. لا طريقة أمثل لإبقاء السطوة الأميركية على العالم أكثر من إشغال الصين بالتنافس الإقليمي مع الهند، وإشغال روسيا في وحول المستنقع الأوكراني. هذه الدول لا تصلح حسب الفهم الأميركي للعالم بأن تكون دول ذات قوّة عالمية، إنما مجرد دول ذات نفوذ إقليمي منشغلة بحدودها والتنافس مع الجيران حول أمور «بسيطة».
أمّا عن الرئيس التركي وما يمكن أن يفعله ردّاً على الممرّ التجاري المقترح، فلا إجابة شافية إلا تلك القائلة بتقاربه المتزايد والمتوقع مع الصين وروسيا لمحاولة عرقلة المشروع. تقارب قد لا يفي بالغرض، فتكون النتيجة المزيد من التراجع الاقتصادي في تركيا على المدى القريب والمتوسط نتيجة بروز شراكة هندية – شرق أوسطية – أوروبية تحمل الكثير من إمكانات النجاح والإزدهار لكل شركائها.