حرب الودائع… و”البدائع” المصرفية

منذ أيام، أصدر الاقتصادي توفيق كاسبار ورقة اقتصادية حملت عنوان “تشريح للأزمة الاقتصادية” وتناولت أسباب النكبة النقدية وسبل تخطّيها. ولعلّ النقطة الأهم التي تطرّقت اليها الورقة كانت بتقدير ديون مصرف لبنان (دون احتساب ديونه بالليرة اللبنانية) بأكثر من 87 مليار دولار مع الاشارة الى أنها منفصلة تماماً عن الدين الحكومي. ويذكر كاسبار أن “المركزي” يدفع حالياً تكلفة الفائدة على قروضه بالدولار نحو 6 مليارات دولار، وهو مبلغ يفوق تكلفة خدمة الدين في الموازنة. وذلك يعني عمليّاً أن المصدر الرئيسي لاستنزاف احتياطي العملات الاجنبية في البلاد ليس سوى “مصرف لبنان” الذي استهلك بشراهة أموال المصارف التجارية وأيضاً أموال المودعين. يتوافق هذا الاتجاه من الارقام الصادرة عن جمعية المصارف والتي تشير الى أن بين المبالغ التي اقترضها مصرف لبنان من البنوك التجارية بالعملات الاجنبية والتي تناهز بأقل تقدير 73 مليار دولار بما فيها الاحتياطي الالزامي، وبين الموجودات النقدية لدى “المركزي” البالغة 30 ملياراً فجوة تتخطّى الـ 43 مليار دولار.

الإضراب “يُريح” المصارف

إنه أسبوع الحيرة والضباب. يصعب توقّع ما ستؤول اليه الامور من الناحيتين المالية والنقدية. موظفو المصارف مستمرون في الاضراب، وفي موازاة ذلك، تتزايد الاسئلة المطروحة دون أن تجد أجوبة واضحة؛ فالإضراب والثورة قد أراحا المصارف لفترة وقد آن الأوان للحسم لكن من يتحمّل كلفة الوقت الضائع هذه المرة؟

وماذا سيفعل المودعون العاجزون عن التصرّف بودائعهم المحجوزة قسراً؟ وهل ستبدأ مرحلة الدعاوى القضائية بين المصارف وعملائها في ظل عدم إقرار قانون يحدّ من السحوبات ويضع سقفاً لها؟ وإن كان المسؤولون خائفين من هذا القانون لأنه يشكل إثباتاً للناس أن النظام اللبناني قد تغير، فلماذا لم يُسارعوا الى طرح بدائل قادرة على امتصاص غضب الناس؟ لا شكّ أن الواقع المالي تبدّد، ولن يعود بالتالي الى سابق عهده الا في حال عودة الرساميل التي خرجت من لبنان، وإذا تمكّن مصرف لبنان من إعادة تعزيز موجوداته بالعملات الاجنبية… وهذا ما لن يحصل بحسب الخبراء، أقلّه في المدى القريب خصوصاً إذا بقيت الحلول الجذرية التي تبدأ بتشكيل حكومة تكنوقراط تترافق مع إصلاحات جدّيّة تضمن المساعدات الدولية الموعودة، بعيدة التنفيذ. الناس تستطيع الإدّعاء

“عندما يرفض المصرف إعادة الودائع لأصحابها، فذلك يعني اساءة أمانة، ويحقّ للمودعين عندها التصرف قضائياً”، يوضح المحامي والاستاذ المحاضر في القطاع المصرفي رمزي هيكل. ويضيف: “في هذه الحالة يمكن للمودعين إرسال إنذار الى المصارف، واذا استمرت هذه الاخيرة بالامتناع عن الاستجابة، عندها يعتبر هذا الامتناع جرماً جزائياً وبالتالي يمكن ملاحقة المصارف جزائياً. تتم ملاحقة المصارف قضائياً أمام المحكمة التجارية أو المدنية. واذا لم يتم التجاوب أيضاً، فعندها يعتبر المصرف متعثّرا. هذه الحالة تتطلّب من مصرف لبنان إشهار إفلاس المصرف المعنيّ. ويختلف قانون إفلاس المصارف عن إفلاس الشركات التجارية اذ لا بدّ من التحقّق والتأكد من أن هذه المؤسسة المالية التي تتعامل بأموال الناس فعلاً متعثّرة وعندها يُعطى المصرف مهلة 6 أشهر إما لحلّ وضعه أو اللجوء الى التصفية”.

يُعتبر تنظيم السحوبات ووضع سقف لها حتى الساعة تدبيراً داخلياً أقرّته جمعية المصارف إلا أنه غير قانوني، فلدى استحقاق الودائع على المصرف الانصياع لقرار المودع أما في حال عدم استحقاقها فيتوجب على المودع انتظار تاريخ الاستحقاق الذي لا يكون ساقطاً الا في حال إشهار إفلاس المصرف.بين الأمس واليوم

“ليست المشكلة قضية مصرف أو اثنين بل انها مسألة سياسة اقتصادية لمصرف لبنان الذي أعرب حاكمه منذ تسلّمه زمام المنصب أن عهده سيخلو من تعثّر أي مؤسسة مالية. في التسعينات كانت المصارف تعمد الى سياسة تسييل العقارات مع مصرف لبنان فهل يستعمل المركزي هذه الطريقة مجدداً؟ لا نزال نجهل القرارات التي سيتّخذها حاكم مصرف لبنان في حال استمرار الأزمة وتفاقمها أكثر فهو كان قد أعرب عن استعداده لإقراض المصارف حاجتها من العملات الاجنبية بفائدة 20% ولكن ماذا لو استُنفدت السيولة المتبقية لديه؟ كل هذه الاسئلة تفتقر الى الاجابات” يقول هيكل.

بين عامي 1989 و1990 ضربت الأزمة 13 مصرفاً، وقد أحيلت 4 مصارف الى القضاء الذي حكم بتوقفها عن الدفع في تواريخ مختلفة وهي بنك المشرق، والبنك اللبناني العربي، وبنك مبكو وبنك الازدهار اللبناني. وقد جرت تصفية هذه المصارف بموجب القانون 2/67 الذي صدر في أعقاب أزمة “إنترا”.

مصرف واحد هو البنك اللبناني – البرازيلي، اختار التصفية الذاتية بموجب القانون 100. تسمح التصفية بتسديد كل الودائع لأصحابها بعد بيع كل موجودات المصرف لمصرف لبنان. كما تم بيع بعض الملفات المصرفية عن طريق المصارف المتعثرة الى مصارف سليمة.

في تلك الفترة كانت المصارف التي تفتقر الى السيولة تعتمد نسق “الاضراب”. أي أنها قبل التوقف نهائياً عن الدفع كانت تعتمد صيغة إضراب الموظفين قبل إشهار إفلاسها. ومع ذلك لا يمكن اعتبار ما يحصل اليوم مشابهاً لما جرى خلال تلك الفترة علماً أننا نجهل تماماً وضع المصارف المفتقرة الى السيولة بمستويات غير مسبوقة. وحدها الايام المقبلة وما ستحمله كفيلة بتبيان الحقيقة التي يحاول المسؤولون إخفاءها.

 

مصدرإيفون أنور صعيبي - نداء الوطن
المادة السابقةالتأزم المالي والإقتصادي بلغ ذروته
المقالة القادمة«كابيتال كونترول» بلا قانون…المصارف تحتجز أموال المودعين