البلدُ مقبل على موجه أزمات ضارية، كما في المازوت كذلك على مستوى الرغيف. وفي ظل وضع مالي مغلق وغير قابل للاحتمال ووسط استنفار محاصيل الليرة تصبح كافة الأمور مشرعة على التصعيد.
من هنا يتقدم البحث موضوع رفع الدعم عن مجموعة من السلع الرئيسية. القصة لم تعد منحصرة بالتلويح، فبما أنها باتت مفتوحة على طاولة النقاشات السياسية معنى ذلك ان البحث الآن يُدار على كيفية استنباط المخارج الملائمة لـ”تمريقها شعبياً”.
من الواضح ان المصرف المركزي وفي ظل حالة النقد الراهنة، لم يعد يقوى على تغطية المزيد من الدعم للسلع الاساسية، هذا الجو أُبلغ الى المراجع قبل مدة وجيزة لكنهم طلبوا الاستمهال قليلاً في ظل عدم الرغبة في فتح مشروع “مشكل جديد”، لكن واقع الخزينة له كلام آخر.
لذا بدأ المصرف باتخاذ اجراءات تدريجية تخدم مشروع رفع الدعم عن بعض السلع سيما عن القمح و المازوت، وانعكاس ذلك اضحى مرأياً على المستوى العملي ومستوى السوق إن من خلال المازوت بالامس وربما القمح غداً، وهو قابل للتصاعد كلما زاد منسوب ضعف النقد.
الكلام السياسي يوحي بهذا الاتجاه. ثمة أكثر من طرف بات يجاهر بضرورة اعادة النظر في دعم بعض السلع في ظل تآكل المالية العامة رغبة منه في المحافظة على الحد الادنى من الاستقرار النقدي المطلوب. مع ذلك، ثمّة صعوبات تقف في وجه أي مشروع مماثل عمادها الشارع غير القادر على تحمل المزيد من الضغط، فكيف إذا كان اقتصادياً أو يمس لقمة العيش؟
أصحاب الافران قرأوا توجهات الدولة باكراً وعلى الأرجح حضّروا أنفسهم. صحيح أن مشروعهم الرامي إلى تعديل أصول سعر بيع ربطة الخبز قديم، لكنهم يجدون حالياً أبواباً قد تسهم في تقديم وجهة نظرهم، فالتسوية التي ارتضوها حلاً مؤقتاً لأزمة رغيف الخبز قبل مدة مهددة اليوم بالسقوط والنضوب أمام جموح مطالبهم… وطالما أن ربّ الوزارة بالدف ضارباً فشيمةُ أهلِ الفرن كلِّهِمُ الرَّقصُ.
في ظل ذلك يسعى أصحاب الأفران الى ترسيخ تسعيرة جديدة لربطة الخبز بالممارسة شأنهم في ذلك شأن المازوت وسواه. هذا يعني أن وزن الـ 900 غرام للربطة الذي ارتضوا سابقاً كحل، لم يكن سوى مناورة إستباقية لتحصيل حد أدنى من الغنائم، كمقدمة تصلح للبناء عليها لجولة جديدة من الحرب.
ذريعة أصحاب المخابز والافران هي نفسها. الدولار يرتفع ويتجاوز سقف الـ 5000 ل.ل في السوق السوداء وهو سيستمر في الارتفاع على الأرجح، ونحن نتكبد خسائر إضافية سواء في النيلون او الخميرة او غيرها وبالتالي تصبح الـ100 غرام التي اقتطعت من وزن الربطة حالياً لا تلبي رغبات التجار.
في الاصل، يريد اصحاب الافران تثبيت سعر ربطة الخبز على 2000 ليرة لبنانية. كانوا في منتهى الصراحة أكثر من مرة، لكنهم تركوا هامشاً للمناورة عبر زعمهم أن القرار ليس بالضروري أن ينسحب على وزن الربطة الذي لا بد ان يبقى متحركاً ما دام أن سعر الدولار يتحرّك!
ما يبدو عليه الامر، ان وزن الربطة غير خاضع لهوامش واضحة ولا يجب ان يكون، كحال المازوت، الذي يرتفع منذ مدة قصيرة في ظل ثبات أسعار النفط عالمياً بذريعة إما غلاء الدولار أو خوفاً من التهريب على سوريا. “كارتال الافران” يتخذ لنفسه الحجج ذاتها تقريباً.
هم يدركون في سرهم أن رفع سعر ربطة الخبز إلى 2000 ليرة دفعة واحد أمر مستحيل وسيترتب عليه فورة إجتماعية، لذا عثروا على طريقة تقودهم إلى هدفهم كمرحلة اولى، ذلك بإستخدام الضغط على شكل “لوبي” يدفع إلى تخفيضات على وزن الربطة 100 غرام في كل مرحلة، وتصورهم الحالي للخفض ينسجم وحساباتهم حول سعر صرف الدولار على أساس معدل نصفي، لذا يُمكن الوصول إلى وزن 700 غرام، أي سلب ربطة الخبز رغيفين إضافيين أو تقليص حجم الرغيف إلى ما دون حجمه الطبيعي تدريجياً، على أن يأتي الدور لاحقاً على رفع السعر.
خطّة من هذا النوع، تكاد تكون عملية إزهاق أرواح للرغيف وربما أكثر، أو هي بأصلح العبارات تمهيد لدخول في “حرب رغيف” في البلد الرازح تحت ازمة دولار. هنا، لا بد لاصحاب الافران من ان يدركوا جيداً ان دخولهم هذه المغامرة ستترتب عليه مخاطر وأثمان باهظة.