لبنان المضياف، معروف بخدماته ومطاعمه وفنادقه وأسواقه. لبنان الجميل، مشهور بحب أبنائه للحياة، وإصرارهم على نشر الأجواء الإيجابية، رغم الصعاب والضغوط. لبنان المفعم بالأمل والتفاؤل، لن يموت، وسيتخطى حتما كل الظروف التي يمرّ بها، تماما كما فعل مرات عدة في الماضي!
وخلال شهر كانون الأول من كل سنة، ومع اقترابنا من عيدي الميلاد ورأس السنة، اعتدنا أن نقول أن “التاريخ يعيد نفسه”، فالمشهد ذاته كان يتكرر عاما بعد عام؛ اذ تعقد المؤسسات التجارية والسياحية، آمالها على الشهر الأخير من العام، لعلّ بهجة العيد ستكسر الركود القاتل، من خلال استقطاب المغتربين والأجانب، وتشجيع المقيمين على الاستهلاك. لكن الحركة لا تأتِ إطلاقا على قدر التوقعات والآمال، في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل تدريجي، وزيادة الضائقة المادية والغلاء المعيشي، بالاضافة الى استمرار التجاذبات وغياب الاستقرار.
اذ يرزح القطاع السياحي اللبناني تحت وطأة الأزمات المعيشية، الاقتصادية، السياسية، ويتوقع الأفضل سنويا، لكن النتيجة تأتي مغايرة من حيث التوقعات، ومشابهة من حيث النتائج والأرقام. حيث أن المعاناة الفعلية قد بدأت، منذ عام 2011، أي حين قررت الدول الخليجية مقاطعة لبنان، لتكون كل سنة أسوأ من سابقاتها.
وفي كل سنة تمرّ، كان القطاع السياحي يتلقى الضربات، ويردّها، ومن ثم يستعيد “بعضا” من عافيته. لكنه تلقى هذا العام، ضربة موجعة جدا، قد تكون هذه المرة “القاضية”!
ومن هنا، كان لموقع “الاقتصاد”، مقابلات خاصة مع أبرز كوادر القطاع السياحي، بمختلف جوانبه:
الأشقر
أشار نقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، الى أن القطاع السياحي يعيش في حالة من الانهيار، والحركة قليلة كثيرا، ولهذا السبب، فإن معظم المؤسسات تعاني من مشاكل مالية واقتصادية. وأوضح أن “الأعياد القادمة، التي تمتد لثلاثة أو أربعة أيام فقط، لن تنشلنا من المأزق الذي نعيش فيه”.
الأشقر: نسبة الاشغال 0% خارج بيروت… والتراجع يصل الى 90%
وأكد أن القطاع لن يتحسّن، ولن يتمكن من العودة الى العمل بشكل طبيعي، الا في حال استعادة عامل الثقة في البلاد، على المدى الطويل، لافتا الى أن الثقة لا تأتي إلا من خلال تشكيل حكومة، وحصول نوع من الإجماع حولها، بالاضافة طبعا الى الرضى الإقليمي والدولي. وقال: “في نهاية المطاف، علينا إنقاذ الدولة أولا، لكي نتمكن من إنقاذ أنفسنا بالدرجة الثانية؛ فنحن حتما مرتبطان ببضعنا البعض، ارتباطا وثيقا”.
كما ذكر الأشقر، أن أساس المشكلة الحاصلة في لبنان، وأسباب تفاقمها، تندرج تحت خانه السياسة – المسؤولة وحدها عن وصولنا الى هذه المرحلة – وبالتالي حين نحقق الاستقرار السياسي، سنجد حتما الاستقرار الأمني، الاستقرار الاجتماعي، الاستقرار المالي،…
وشرح أن نسبة إشغال الفنادق، لامست نسبة الـ0% خارج بيروت، في حين أنها تترواح ما بين 7% و15%، داخل العاصمة. كما أن التراجع وصل الى 90%، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
وحول الاجتماع الذي جرى الأسبوع الماضي، مع رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، أوضح الأشقر أنه لا توجد أي إجابات الى حد اليوم، عن المطالب التي طرحها وفد اتحاد النقابات السياحية.
وكلام الأشقر، يؤكد أن المشهد في 2019، أتى مغايرا بالكامل عن السنوات الماضية!! وهذا العام يتصدّر حتما قائمة السنوات السيئة… فالركود طال جميع المؤشرات، والتراجع الكارثي هو سيد الموقف… حيث أن التحركات الشعبية وحالات الشغب والتحطيم التي شهدتها العاصمة بيروت، جاءت بمثابة المسمار الأخير في نعش حركة الأعياد، كما أن القيود التي فرضتها المصارف على المودعين، كبّلت جميع القطاعات، وحالات الصرف الجماعي، ودفع نصف الراتب، وإجبار الموظفين بالحصول على عطلة غير مدفوعة، دفعت بالقدرة الشرائية، الى حافة الهاوية، وحجزت على سلوكيات المواطنين – الأغنياء ومتوسطي الدخل، على حدّ سواء – الاقتصادية، وخاصة خلال هذه الفترة من السنة.
دقدوق
من جهته، أوضح رئيس نقابة تأجير السيارات محمد دقدوق في حديث خاص، أن حركة التشغيل لا تتجاوز الـ1%، منذ حوالي شهرين، مشددا على أن قطاع تأجير السيارات، هو من أكثر القطاعات السياحية المتضررة من جراء غياب السياح والمغتربين. وتابع: “نعتمد الى حد ما، على فترة الأعياد القادمة، لأنها من المفترض أن تشكل “زوادة” للحركة، قد تصل نسبتها الى حوالي 20%”.
دقدوق: الحجوزات في الاعياد لا تتجاوز الـ5%
وقال: “الوقت الذي يمر، يضيع علينا، وبالتالي تتراكم الالتزامات والديون، والسندات الشهرية للسيارات، التي لم يعد بإمكاننا تحمل تكاليفها”. وتابع: “حتى اذا قررنا اليوم، بيع سياراتنا المخصصة للتأجير، من أجل تسييل أموالنا، فإن الإقبال غائب على البيع. وبالتالي، “نأكل” رأسمالنا الخاص، ونستنزفه، مقابل تخطي هذه المرحلة الصعبة”.
وأكد أننا لم نصل بعد الى حدود الإغلاق، بمعناه الواسع، ولكن ما يحصل، يؤدي الى تقليص حجم أسطول السيارات؛ فهذا القطاع يضم أكثر من 19 ألف سيارة، وسنشهد على حركة بيع ما بين 5000 أو 8000 سيارة، منذ الشهرين الماضيين وحتى الشهرين القادمين، وذلك بسبب غياب القدرة على الاستمرار وتخطي الظروف”.
وأضاف دقدوق: “اذا حلت الأزمة اليوم، فنحن بحاجة الى فترة تمتد ما بين ستة أشهر وسنة، من أجل الانطلاق مجددا والعودة الى ما كنا عليه”، موضحا أن نسبة التراجع تخطت الـ90%، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من 2018، وحتى أن حركة الحجوزات خلال فترة الأعياد خجولة فوق العادة، ولا تتجاوز الـ5%!
وقال: “رغم أن الأسعار التي نتعامل بها، تعتبر متدنية للغاية، لا يوجد أي إقبال على خدماتنا، كما أن العملة الصعبة مفقودة، في حين أن سنداتنا بالدولار، والمصارف التي حصلت المؤسسات على قروض منها، تطالبها بالتسديد مباشرة وعلى الفور”.
وأردف: “وكأنه يراد للبنان بشكل عام، وللقطاع السياحي بشكل عام، الوصول الى الدمار والانهيار”.
كما لفت دقدوق الى أن الاجتماع مع الوزير شقير، كان هدفه وضع رؤية لمرحلة ما بعد الاستشارات وتشكيل الحكومة، ولكن عبثا نحاول، خاصة وأن وجهة لبنان المستقبلية باتت مجهولة.
الرامي
بدوره، أشار رئيس نقابة المطاعم طوني الرامي لموقع “الاقتصاد”، الى أن القطاع السياحي اللبناني في حالة موت سريري، وقد وصل حتما الى حافة الانهيار. وشرح الحالة القائمة كالتالي: “لقد فقدنا ثلاثة عناصر أساسية في لبنان: أولا، القدرة الشرائية. ثانيا، السيولة. وثالثا، النفسية. وهذه العوامل تشجع الانسان على الخروج من المنزل وارتياد المطاعم”.
الرامي: السياحة في حالة موت سريري
وأكد أن المواطن بات يبحث عن مقومات العيش، وأولويته اليوم هي للعيش والبقاء والاستمرار، ومن هنا، فإن السياحة والاحتفال والسهر، لم تعد في المرتبة الأولى بالنسبة الى اللبنانيين، بل أصبحت تأتي ثانية أو حتى ثالثة.
كما أوضح، أن أكثر من 500 مطعما أغلق أبوابه، حتى بداية شهر كانون الأول، معتبرا أن الانهيار الكامل سيأتي في الشهر الأول من العام الجديد 2020.
وحول الخطوات التي تقوم بها النقابة من أجل تحريك العجلة، أكد الرامي على وجود العديد من الأسعار المغرية في السوق، وكل مطاعم لبنان، باستثناء عدد قليل جدا، ستقدم وجباتها بحسب الطلب أي ” à la carte”، خلال ليلة رأس السنة، والتي ستكون مشابهة لأي ليلة أخرى؛ حيث سيطلب الزبائن ما يريدون، ويدفعوا سعر طلبياتهم فقط.
وأكد أن الحفلات ستكون تشجيعية ورمزية فقط، كي لا تبقى المطاعم فارغة، في حين أن الحجوزات الى حد اليوم، ما زالت خجولة جدا.
بيروتي
بدوره، لفت رئيس نقابة المؤسسات السياحية البحرية جان بيروتي، الى أن الواقع على الأرض معدوم، لأن الحلول ما زالت بعيدة، ما يؤثر سلبا على القطاع السياحي. وقال: “في حال وجود بعض الحجوزات، فمن المرجح أنها ستلغى اذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه في وسط بيروت”.
وشدد على أن العامل الأهم اليوم، يكمن في تشكيل حكومة، وحينها ستصبح كل الاقتراحات المطروحة، محتملة وممكنة، ولكن لا يمكن استقطاب السياح أو المغتربين، في ظل الأجواء التي نعيشها بشكل يومي، في الآونة الأخيرة؛ ومهما قدمنا من تسهيلات وعروضات، وحتى لو منحنا تذاكر مجانية للأجانب، لن يوافقوا على القدوم الى لبنان في ظل كل ما يحصل.
بيروتي: بعد الاعياد مباشرة ستقفل 50%من المؤسسات
وقال: “في 2 كانون الثاني 2020، أي بعد فترة الأعياد، ستقفل 50% من المؤسسات السياحية أبوابها نتيجة الأوضاع القائمة، وهذا ما سيشكل الكارثة الأكبر؛ فاذا أقفل هذا القطاع، لن يفتح مجددا بسهولة. فالسياحة تشكل القطاع الأول الذي يتأثر بالظروف الصعبة، والقطاع الأخير الذي ينهض بعد تحسن الأوضاع”.
كما ذكر بيروتي، أن الإحباط يخيم على الجميع، ونحن نعيش اليوم فترة لم نعرفها من قبل، رغم كل الظروف السيئة التي مرّ بها لبنان، وحتى خلال الحرب اللبنانية، مؤكدا أنه لن يبقى هناك أي قطاع سياحي مع بداية العام الجديد، في حال استمرار التجاذبات الحاصلة.
وأضاف قائلا: “في حال تشكيل الحكومة بأقرب وقت ممكن، ونشر الأجواء الايجابية، وحصول الشارع على مطالبه، فمن المؤكد أن القطاع سيتخطى هذه المرحلة. ولكن لأي سبب نؤجل بالاستشارات؟ ولماذا هناك تأخير واختلاف حول الحكومة ورئيسها في حين أن مؤسساتنا تغرق وتنهار؟”.
خياط
من جهته، اكتفى رئيس الاتحاد اللبناني للنقابات السياحية في لبنان، أمين خياط، بالقول أنه لا يجب التكلم اليوم عن السياحة أو حتى عن الاقتصاد وغيرها من الأمور، لأن الكلام سيبقى مجرد كلام.
وتابع: “القطاع السياحي وصل الى حائط مسدود، وحركة المؤسسات مشلولة، وأوضاع ما دون الصفر. واذا استمرت الحالة على هي عليه لمدة شهر بعد، فسوف تغلق أكثر من نصف الفنادق أبوابها؛ مع العلم أن غالبية المؤسسات الفندقية قلّصت عدد موظفيها الى حد كبير ومحزن”.
وأكد أن السياح لن يتجرأوا على القدوم الى لبنان في ظل ما يرونه على مختلف وسائل الإعلام، كما أن اللبنانيين المقيمين، لن يتشجعوا على النزول الى الأسواق حتى؛ وبالتالي فإن الوضع قد وصل بالفعل الى شفير الهاوية، ويتطلب تدخلات سريعة وطارئة.