تنطلق، اليوم، أعمال الدورة الأولى للامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة وسط حرمان مئات الطلاب من التقدم الى الامتحانات بسبب تخلّف ادارات مدارسهم المنضوية في شبكة «دكاكين التعليم الخاصة» عن تقديم طلبات ترشيحهم خلال المهلة القانونية. قرار مواجهة هذه الشبكة كان ينبغي أن يتخذ منذ زمن طويل، ولكن ليس على حساب الطلاب الذين لم يتورع أصحاب المدارس – الدكاكين أمس عن استخدامهم وقوداً في المواجهة مع وزارة التربية
مرة جديدة، وقع مئات الطلاب في شهادتي البريفيه والثانوية العامة ضحايا شبكة «دكاكين التعليم الخاصة» والموظفين المتواطئين معها في مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية. فجأة، وجد مرشحو نحو 14 «مدرسة خاصة»، في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، أنفسهم عشية الامتحانات بلا بطاقات ترشيح، رغم أن أهاليهم سددوا كل ما عليهم من متوجبات مالية. مشكلة هؤلاء لا تشبه مشكلة المرشحين الذين تحجز إدارات مدارسهم بطاقاتهم بهدف ابتزاز أهاليهم الذين تخلفوا عن دفع الأقساط، بل إنّ المدارس هنا هي التي تخلفت عن تقديم طلبات الترشيح خلال المهلة القانونية. في العادة، كانت هذه المدارس – الدكاكين تنال موافقات استثنائية كونها لا تحمل رخصاً قانونية، وكانت هذه الموافقات «تغطي تزوير أصحاب المدارس للوائح الطلاب وللإفادات وتسجيل الطلاب الوهميين منهم وترفيع الراسبين لقاء مبالغ مالية. وكان وزراء التربية السابقون يمنحون الموافقات بناءً على اقتراح من رئيس مصلحة التعليم الخاص في الوزارة عماد الأشقر، بحجة أن الوزارة تأخرت في معاملة الرخصة، على أن تتعهد المدرسة بالإقفال في حال عدم إتمام مستنداتها. إلا أن الموافقات كانت تجدد تلقائياً بلا حسيب أو رقيب، ومن دون الحاجة إلى نيل ترخيص». لكن الجديد، هذا العام، أن شبكة المدارس – الدكاكين فشلت في نيل الموافقات الاستثنائية على غرار السنوات السابقة، وهو أمر كان يجب أن يحصل منذ زمن، ولكن مع عدم تحميل الطلاب وزر الصفقات والسمسرات التي يعقدها أصحاب هذه «الدكاكين» مع مصلحة التعليم الخاص في الوزارة. كما كان على وزير التربية الذهاب أبعد من حجب الموافقات الاستثنائية، إلى اتخاذ إجراءات قانونية بحق أصحاب المدارس الوهمية الذين يتلاعبون بمستقبل الطلاب، وتحويل الموظفين المرتكبين في الوزارة إلى النيابة العامة المالية وكشف من يدير اللعبة ويصدر فتاوى قانونية لتمرير الملفات وقبض الرشاوى. إذ أن هؤلاء جميعاً متورطون في ما اصطلح على تسميته بـ«الملحق»، وهو أحد أساليب التحايل عبر تأخير رفع اللوائح الاسمية إلى الوزارة حتى نهاية العام الدراسي. إذ يمكن لأي تلميذ يخاف من رسوبه في مدرسة خاصة أو رسمية، بعد فشله في فصلين من العام الدراسي، أن يلجأ لهذا النوع من المدارس، فتقوم المدرسة بجمع الأسماء ضمن ملحق، بحجة التأخير في تأمين المستندات، وتقدّمه إلى وزارة التربية في مقابل مبلغ مالي يسدده أهل التلميذ لها، وتضمن نجاحه وترفيعه في السنة الدراسية المقبلة.
وبما أن عرّابي شبكة المدارس – الدكاكين يعلنون أنهم يعملون تحت غطاء سياسي، علمت «الأخبار» أن وزير التربية أخذ أمس ضوءاً أخضر من رئيس مجلس النواب نبيه بري باتخاذ القرارات التي يراها مناسبة. إلا أن هؤلاء، وبإيعاز من مصلحة التعليم الخاص في الوزارة نفسها، لم يترددوا، أمس، في استخدام ضحاياهم الطلاب وأهاليهم وقوداً في معركتهم مع الوزارة. فطلبوا منهم النزول إلى الشارع لمواجهة وزير التربية أكرم شهيب بشعار «يا وزير الأبجدية وقفلي هالطائفية»، في محاولة للإيحاء بأن من حجبت بطاقاتهم هم من منطقة محسوبة على طائفة واحدة! بعض الأهالي الذين شاركوا في اعتصام أمام وزارة التربية كانوا في جو هذه «اللعبة»، إلا أن أهالي كثراً صدموا بحجب البطاقات، فسألت إحدى الأمهات: «إذا سلمنا بأن الإدارات فاسدة، ما ذنب الأولاد الذين تعبوا في المدرسة وفي المعاهد الخصوصية طيلة العام؟ من أعطاهم الحق أن يحرموهم سنتهم؟». وقال والد إحدى الطالبات في الثانوية العامة إن لديه ابنتين مسجلتين في المدرسة نفسها منذ 12 سنة، وقد خضعتا في وقت سابق لامتحانات رسمية. وأكد أنهم سيتابعون التحركات ولن يقبلوا بالدورة الثانية لشهادة الثانوية العامة بما أن هناك متسعاً من الوقت لإنجاز بطاقات الترشيح. الاعتصام تجدد في ساعات بعد الظهر، وبرز تلويح بإقفال الأهالي لبعض مراكز الامتحانات اليوم في حال لم تستجب الوزارة لطلب تسليم بطاقات الترشيح. ورفض المعتصمون قرار شهيّب بإعطاء أبنائهم فرصة التقدم الى الدورة الثانية وعدم مساواتهم بزملائهم باعطائهم فرصة الخضوع لدورتين اولى واستثنائية.
الحملة لقيت أصداء واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، إلا أنه كان لافتاً أن يحيّد الناشطون أصحاب المدارس، مستنهضين الرأي العام «لمواجهة قرار الوزير التعسفي بعدم تسليم البطاقات» فحسب. كما انطلقت حملة على «تويتر» قادتها صفحة «طلاب لبنان» تحت هاشتاغ # وزير _بلا تربية!
مصادر في دائرة الامتحانات الرسمية قالت لـ «الأخبار» إن الوزير رفض سابقاً اللوائح الاسمية التي تقدمت بها «مدارس خاصة» لا تملك إجازات للعمل، لكنه وافق على قبول طلبات الترشيح للامتحانات الرسمية فقط على خلفية «ما بدنا يكون الطلاب ضحايا للتجار، وحسابنا مع المدرسة». وبناء عليه، أُعدت لائحة مقفلة من أكثر من 300 مرشح للامتحانات، «لكن ما حصل أن الطلبات راحت تهبط على الوزارة من كل حدب وصوب، وبعضها وصل إلينا في نهاية أيار الماضي». وفيما لا تملك الوزارة احصاءات عن عدد المتقدمين للامتحانات خارج المهلة القانونية، تحدث الأهالي عن نحو 1700 تلميذ. وقد رفضت وزارة التربية طلب أصحاب المدارس أن يخصص لهؤلاء الطلاب مركز خاص بهم يمتحنون فيه على غرار ما كان يحصل في السنوات السابقة.
وكان شهيب أصدر، في نيسان الماضي، مذكرة طلب فيها من الموظفين المعنيين بطلبات فتح المدارس الخاصة توجيه كتاب إلى المحافظ المختص لإقفال المدرسة المخالفة إقفالاً إدارياً عند نهاية العام الدراسي، وإبلاغ من فتح المدرسة بتعليق إجراءات دراسة الطلب، وبأن الوزارة ستقترح على مجلس الوزراء أن يوافق على اتخاذ وزير التربية قراراً برفض طلبه في ضوء المخالفة المرتكبة. يومها، دعا شهيب الموظفين إلى توجيه كتاب إلى هيئة القضايا في وزارة العدل للادّعاء ضد من أقدم على فتح المدرسة خلافاً للقانون بجرم مخالفة القوانين والأنظمة النافذة وفقا لأحكام المادة 770 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 239 تاريخ 27/5/1993. ورفض تحميل التلامذة مسؤولية المخالفة المرتكبة باستلام المنطقة التربوية للوائح، والتدقيق فيها وتبرير اسم كل تلميذ مدرج في هذه اللوائح يثبت استيفاء تسجيله في الصف المنتسب اليه بالشروط المحددة قانونا لهذا الانتساب.
أطفالنا رهائن
تعليقاً على حجب بطاقات الترشيح للامتحانات الرسمية، رأى اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة أنّ «أطفالنا يجدون في كل مرة أنفسهم رهائن وضعٍ ليس لهم فيه أي ذنب غير أنهم تسجّلوا في احدى المدارس الخاصة التي لا تعرف ادارتها الإنسانية ومعنى الالتزام بالقوانين فاستغلت فساد بعض الموظفين في سبيل تحقيق الأرباح»!
ووصف الاتحاد ما ذهب إليه وزير التربية أكرم شهيب بـ«التعسف والبطش بالتلامذة كوسيلة لتفسير وتنفيذ القانون بينما كان من واجبه حماية هؤلاء الأطفال وقبول ترشيحهم مع اتخاذ اشد العقوبات بحق المدارس وأصحابها ومديريها والموظفين المتعاونين معهم». وناشد الاتحاد شهيب بـ«الرجوع فوراً عن الخطأ الفادح الذي وقع فيه وإعطاء الأمر حتى ولو ليلاً بإصدار بطاقات الترشيح وإدخال الأطفال إلى مراكز الامتحانات غداً (اليوم) لتقديم امتحاناتهم».