الشهر المقبل، تنتهي قدرة مطمر برج حمود – الجديدة الإستيعابية. بعدها، لن يكون قادراً على «استقبال» ما كان يأتي إليه من نطاق بلديات المتن وكسروان وجزء من العاصمة. لا حلول تُطرح اليوم للأزمة الآتية بآلاف الأطنان، وجلّ ما هو «متوافر» إمكانية اتخاذ قرار رسمي بتوسعة حدود المطمر. لا أكثر من ذلك ولا أقل.
لكن، ما بين انتهاء الصلاحية وإمكانية تجديدها، ثمة فاصل من القلق يتمثّل بعودة أزمة النفايات، خصوصاً في ظل عدم وجود خطة طوارئ لمثل هذه الحالات. السؤال الذي سيطرح ما بعد تموز: ما هو مصير النفايات التي كانت ترمى في برج حمود؟ وهل هناك وجهة أخرى أم أن «فيضان الزبالة» عائد إلى الشوارع؟
لا إجابة عن أسئلة كتلك. لكن، استناداً الى تجارب سابقة، يمكن التكهن بقدرة المعنيين على «الإبتكار». وهنا، لا خيارات كثيرة مفتوحة: إما الشارع أو التحويل إلى أقرب مطمر «صحي»، ويصدف أن الأقرب هو… الـ«كوستابرافا». كما يصدف أن حسابات قدرة هذا الأخير على الإستيعاب لم تعد توافق حسابات البيدر الحكومي.
حكاية مطمر «كوستابرافا» تشبه إلى حدٍ ما حكاية المطامر التي نشأت «صحية»، ثم استحالت مع الوقت «باركينغ» لـ«ضبضبة» النفايات من الشوارع. وهي، هنا ليست أزمة بلديات وإنما أزمة دولة «ابتكرت» حلولاً مؤقتة للنفايات، فكان ان استحال المؤقت دائماً في ظل غياب خطة شاملة ومتكاملة للملف العالق منذ 2015.
عندما نشأ مطمر «كوستابرافا» حدّدت قدرته الإستيعابية بأربع سنوات. على أن مساحة المطمر مع «التوسعة الأولى» كانت بحدود 150 ألف متر مربع وبارتفاع 11 متراً. غير أن ما لم يكن في الحسبان أن ما حددته الجهات المعنية (مجلس الإنماء والإعمار) انتهى قبل الأوان، إذ أن السنوات الأربع استحالت سنتين. وللإجابة عن السبب، يمكن الرجوع إلى القرارات الحكومية التي كانت «تُلحق»، بين فينة وأخرى، نطاقات بلدية إلى النطاقات الموجودة أصلاً، ما يعني إضافة أطنانٍ يومية إلى تلك التي تأتي أصلاً من نطاق بلديات الضاحية ومنطقة الشويفات. وهذا يعني، أيضاً، تخطي الحد المسموح من الأطنان التي حددتها الحكومة بألف طن يومياً. بسبب تلك الزيادات، غير المحسوبة، انخفضت سنوات «السعة» من 4 سنواتٍ إلى سنتين، ما استدعى الحديث عن مشروع «توسعة ثانية». في كتابٍ إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ينطلق مجلس الإنماء والإعمار من «خطة الحكومة التي أقرت عام 2016 على أساس أنها لمرحلة انتقالية مدتها 4 سنوات، وعلى أساس أن الكميات المطلوب طمرها ستوزع على 3 مطامر: الغدير (الكوستابرافا) وبرج حمود وموقع ثالث يخدم الشوف وعاليه وجزءاً من قضاء بعبدا». ولمّا لم يبت مجلس الوزراء بالموقع الثالث، أدى ذلك إلى استهلاك مطمري الغدير وبرج حمود بوتيرة أعلى من تلك التي كانت ملحوظة. لذلك، كان الطرح بتوسعة المطمر من خلال استحداث مساحة جديدة، لتصبح بحدود 250 ألف متر مربع بارتفاع تسعة أمتار. وقد حددت أربع سنواتٍ أخرى «اعتباراً من تاريخ تكوين أول خلية طمر والمتوقع حصولها عند بداية نيسان من العام 2018».
تلك كانت أمنية بطبيعة الحال. ففي بلدٍ لم يجر كشفاً علمياً لتجربة المطامر وكيف سارت الأعمال، يمكن الحديث بسهولة عن «خيبة» الأمنيات. فاليوم، وفي ظل الحديث عن أربع سنواتٍ تنتهي في نيسان 2022، خرج من يطلق جرس إنذارٍ مبكر بأن القدرة الإستيعابية للمطمر تنتهي في أحسن الأحوال بعد «عامٍ وأربعة أشهر». هذا ما يقوله رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد ضرغام.
من الأرقام التي تؤرشف النصف الثاني من العام 2018 (من دون الحديث عن أرقام العام الجاري)، ينطلق ضرغام للحديث عما هو آتٍ. ففي وقت يجب لا يتخطى ما يصل الى «كوستابرافا» 1000 طن يومياً، يستقبل المطمر اليوم 1702.99 طن، بعد إضافة «قطاعي» الشوف وعاليه. وهو ما يشكّل 65% من «الحصة» الإجمالية. وفي التفاصيل، يأتي من بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت 631,34 طن (37,7%) ومن بعبدا 401,87 طن (23,6%) ومن الشوف وعاليه 669,78 طن (39,33%).
هذه الأرقام تقود إلى الصلاحية كما هي على أرض الواقع، لا كما هو مرسوم في القرارات الحكومية. وما يعزّز هذه الواقعية هو تغاضي المعنيين عن «ضعف» معمل الفرز في العمروسية وعدم قدرته على فرز كميات كافية من النفايات، الأمر الذي يؤدي إلى طمر نفايات من دون فرز. إذ يفرز معمل العمروسية 400 طن يومياً، وهي نسبة ضئيلة جداً، في وقت كان يفترض أن يفرز الضعف بحسب قرار للحكومة في 12 كانون الثاني 2015، حدّد «نسبة الطمر القصوى بـ40% في أول 3 سنوات و25% خلال السنوات اللاحقة»! ثم ألحق القرار بآخر أواخر العام 2017 للغاية نفسها. وهو ما لم يحصل حتى هذه اللحظات. وما لم يحصل أيضاً هو تنفيذ الحكومة لتعهداتها القاضية بدفع 8 ملايين دولار سنوياً «لكل من البلديات التي تقع في نطاقها المعامل والمطامر» إذ حدث ذلك مرة واحدة فقط. كما لم تلتزم الحكومة بوعدها «تخصيص 50 مليون دولار لتغطية مشاريع إنمائية في البلدات المحيطة بكل من مطمر مصب الغدير ومطمر قضائي عاليه والشوف»!
اليوم، لم تعد هناك حلول للجوء إليها في اتحاد بلديات الضاحية. «الكل جوعان». وبما أن «الجوعان منو قادر يطعمي جارو من صحنو»، فمن الممكن أن تتجه الأمور إلى التصعيد. لم يضع ضرغام حدوداً لهذا التصعيد، ففي النهاية عندما «تصل الموس للدقن» الخيارات مفتوحة. وهذا يعني أن الأمور تتجه إما نحو حصر النفايات الداخلة إلى المطمر أو الإقفال. وكلاهما مر.
هذا جزء من حكاية تطول مع كل أزمة ستلحقها حتماً توسعة. لكنها، قبل كل ذلك أزمة دولة لم تعدّ منذ فاضت الشوارع بالنفايات أي تقرير علمي حقيقي يخبر عن كيفية عمل هذه المعامل والمطامر. إلى الآن، لا دراسة يعوّل عليها لمعرفة كيف تسير الأمور. جل ما حدث الزيارة الشهيرة لوزير البيئة فادي جريصاتي وعبارته الشهيرة أنه «لا احتكاك للنفايات مع مياه البحر ولذلك لا داعي للخوف». أقصى ما يمكن وصف هذا التصريح به، بحسب خبراء بيئيين، أنه «شهادة بالسياسة». لا أكثر ولا أقل.