ما تفعله المصارف اليوم، وما دأبت على فعله منذ بداية الأزمة المالية – الاقتصادية، هو التعدي على حقوق المودعين بحرمانهم من أموالهم من دون وجه حقّ. وهي، يوماً بعد آخر، تكرّس دورها في «السلبطة» على حقوق المودعين، من خلال التفرّد في اتخاذ القرارات، وإجبارهم على الخضوع لها، بغضّ النظر عن مدى قانونية تلك القرارات.
في آخر تلك الفصول ما فعله مصرف «سوسييتيه جنرال» (فرع شتورة) في حق «زبونه» منذ 12 عاماً علي ديب الساحلي، إذ قرّر «قطع أي علاقة مصرفية» مع الرجل بعدما ربح دعوى قضائية على المصرف سمحت له بتحويل ما قيمته 4 آلاف دولار من حسابه المجمّد إلى حساب ابنه الطالب في إحدى الجامعات الأوكرانية!
«حرد» المسؤولون في المصرف من الساحلي فقرروا معاقبته بقطع تلك العلاقة، ما أدى إلى حرمانه من معاشه التقاعدي شهرين متتاليين، وهو مقبل اليوم على الشهر الثالث مع الامتناع عن إعطائه «براءة ذمة» تسمح له بفتح حساب في مصرف آخر.
بدأت القصة قبل شهرين، حين يئس الساحلي من المحاولات «السلمية» لإقناع المصرف بالموافقة على تحويل مبلغ من المال لابنه للتسجيل في الجامعة ودفع إيجار الغرفة التي يسكن فيها. فلم يجد أمامه سوى اللجوء إلى القضاء من خلال تقديم شكوى أمام قاضي الأمور المستعجلة في زحلة لتحرير جزء من تعويضات التقاعد المجمّدة في المصرف وإرسالها إلى ابنه. وبعد إبراز المستندات اللازمة «من طلب التسجيل إلى طلب الإقامة ورسالة من السفارة اللبنانية في كييف»، أصدر القاضي قراره «المستعجل» بإلزام المصرف «تحويل أربعة آلاف دولار أميركي من حساب المستدعي علي ديب الساحلي إلى حساب ابنه حسين، فوراً وتحت طائلة غرامة إكراهية قدرها 10 ملايين ليرة عن كل يوم تأخير عن التنفيذ». وفي متن القرار، اعتبر القاضي قرار المصرف تعدياً على حقوق العمل المشروعة، ما يستوجب «إزالة هذا التعدي». وأكد أن تحويل الأموال، سواء أكانت داخلية أم دولية، أمر بديهي، كونها تُعتبر من الخدمات الاعتيادية التي يفترض أن تقدمها المصارف لزبائنها، حسب الأعراف الوطنية والدولية. وهي، بالتالي، ليست خدمة تسديها، وإنما جزء من واجباتها تجاه زبائنها. وفي حالة الساحلي، تعدّى المصرف على حقوقه كعميل، خصوصاً أنه يملك في حسابه ما يقرب من 60 ألف دولار فيما يمتنع عن تحويل 4 آلاف منها إلى حساب ابنه.
أما السبب الثالث والأكثر أهمية فهو أن امتناع المصرف عن القيام بواجبه أضرّ بالطرف الثالث، وهو ابن المستدعي، من خلال «حرمانه من إمكانية متابعة عامه الدراسي وتسديد نفقات الإيجار والمعيشة».
صدر هذا القرار في 24 تموز الماضي، وفي 14 آب الماضي، أرسل المصرف خطاباً إلى الساحلي، يعلمه فيه بقطع العلاقة معه بسبب «الدعوى المقامة ضد مصرفنا (…) لإلزامه بإجراء قسراً تحويل (بالدولار الأميركي) لابنكم في الخارج بناءً على وقائع وحجج قانونية مغلوطة». بناءً على ذلك، قرّر المصرف، منفرداً، «إقفال الحسابات كافة المفتوحة باسمكم وتصفيتها بعد إلغاء جميع رسائل الدفع المرتبطة بها بما فيها – على سبيل المثال لا الحصر – البطاقات المصرفية (…)». كما «نطلب منكم التوجه إلى فرع مصرفنا في شتورة بغية استلام أصل الشيك المرصود لأمركم بقيمة قدرها ستون ألفاً وتسعماية وتسعة عشر دولاراً وستة وستون سنتاً».
بعد تمنّع لشهرين متتاليين عن تسلّم الشيك «الذي لا يحلّ ولا يربط»، رضخ الساحلي في النهاية من أجل الاستحصال على براءة الذمة. ولكن، لم تطابق حسابات حقله حسابات بيدر الـ«سوسييتيه» الذي امتنع عن تسليمه براءة الذمة، ما يحول دون أن يفتح الساحلي أيّ حساب في مصرف آخر، وما يعني أيضاً أن مصير ابنه «سيكون الطرد مع توجيه إنذار من الجامعة».