حكومة سلام: نحو برنامج جديد مع صندوق النقد

في مقابلته التلفزيونيّة يوم الخميس الماضي، تحدّث وزير الاقتصاد عامر البساط بنبرة توحي باتجاه الحكومة نحو مقاربة جديدة بالنسبة للملف المصرفي، من دون أن يقدّم تفاصيل الرؤية التي يحملها بالنسبة لهذا الملف. ظلّ البساط في “مساحة آمنة” في تلك المقابلة، فلم يدخل في نقاش العناوين الإشكاليّة التي يمكن أن تثير حفيظة هذا الطرف أو ذاك. مع الإشارة إلى أنّ تلك المقابلة، عبر محطّة الـ “أم. تي. في.”، جاءت بعد إلغاء مقابلة سابقة للوزير نفسه عبر محطّة الـ “أل. بي. سي.”، وهو ما بدا كمحاولة لامتصاص نقمة تلفزيون “المر” وحذره من المقاربات التي ستعتمدها حكومة سلام. لم تكن خطوة البساط هذه مريحة لكثيرين من الذين تحسّسوا من “ضبابيّة” كلام وزير الاقتصاد الجديد. لكنّ ما فّهم من كلامه، هو أنّه فضّل الانتقال إلى مساحة رماديّة بدل مواجهة الحملة التي تعرّض لها سابقً.

وزير الماليّة ياسين جابر، يُفترض أن يجتمع، صباح امس، مع وفد من المكتب المحلّي لصندوق النقد، في حين أنّ نبرة مقابلاته تؤشّر أيضًا إلى سعيه لوضع آليّة مختلفة للتعامل مع صغار المودعين. بات ياسين جابر يتحدّث عن وضع أموال صغار المودعين المضمونة في حسابات للدولار الطازج، لاستخدامها محليًا، بدل اعتماد آليّة السحوبات النقديّة المتدرّجة. وهذا ما يختلف، من حيث الشكل على الأقل، عن ما صاغته حكومة ميقاتي في مسودات مشاريع قوانين إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

طي صفحة خطّة التعافي السابقة
باختصار، جميع المؤشّرات تدل على أنّ حكومة سلام تتجه لوضع برنامج جديد مع صندوق النقد، بدل العمل بنفس خطّة التعافي المالي السابقة. كما تؤكّد الحكومة هذا التوجّه في بيانها الوزاري، الذي يشير إلى أنّها سوف تتفاوض على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي. هذه العبارة، تعني أنّ الحكومة ستتجه إلى طي صفحة التفاهم السابق مع الصندوق، والذي أنتج الاتفاق على مستوى الموظفين عام 2022.

وبعد أن جرى تجاهل شروط ذلك الاتفاق، طوال السنوات الثلاث الماضية، يبدو أنّ الحكومة قرّرت البدء بمحادثات جديدة، تمهيداً للوصول إلى برنامج جديد ومختلف، بدل تنفيذ شروط الاتفاق السابق لنيل تمويل الصندوق. وهذا ما حسم الجدل الذي دار خلال الأسابيع الماضية، حول إمكانيّة “تحديث” خطّة التعافي المالي السابقة، أو الاتجاه لصياغة خطّة جديدة بمقاربة مختلفة. “برنامج جديد” مع الصندوق يوحي باتجاه الحكومة نحو مقاربة مختلفة كليًا، أي خطّة تعافي مالي جديدة. هنا، بدا أن الحكومة حددت خيارًا واضحًا.

هنا، من المهم الإشارة إلى أنّ الاتفاق على مستوى الموظفين عام 2022 تضمّن شروطًا معيّنة ليتمكّن لبنان من الدخول في برنامج تمويلي مع صندوق النقد. ومن تلك الشروط مثلًا صياغة تشريع طارئ لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ووضع خطّة لإعادة هيكلة الديون السياديّة، بالإضافة إلى وضع ميزانيّة “ذات مصداقيّة” تؤمّن شروط الإصلاح المالي. وبموازاة هذا التفاهم، تم وضع خطّة التعافي المالي، التي أقرّها مجلس الوزراء في العام نفسه. لكن كما هو معلوم، لم يتم تنفيذ شروط الاتفاق على مستوى الموظفين، ولم يدخل لبنان في “برنامج الصندوق” الموعود.

تقدّم الحكومة إشارات أخرى تؤدّي إلى الاستنتاج نفسه. إذ تشير إلى اتجاهها لوضع خطّة متكاملة وفق أفضل المعايير الدوليّة، لمعالجة الأزمة المصرفيّة. وهذا ما يوحي –مجددًا- باتجاه الحكومة نحو تجاوز خطّة التعافي السابقة، التي جرت على أساسها صياغة مسودّات متعاقبة لمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف. ولم تتغاضى الحكومة هنا عن الإشارة إلى دور المجلس النيابي في تنفيذ الخطّة الجديدة المنتظرة، من خلال تأمّل تجاوب المجلس النيابي فيقر التشريعات المناسبة في هذا المجال.

حتّى هذه اللحظة، لم يقدّم أي وزير في الحكومة صراحةً رؤيته بالنسبة للأسئلة المرتبطة بـ “مسؤوليّة الدولة” في عمليّة تعويم المصارف، كما تطالب جمعيّة المصارف نفسها منذ العام 2020 (أي تحويل الودائع إلى ديون عامّة). كما لم يقدّم إجابات بالنسبة لآليّات تحديد المسؤوليّة بالنسبة لأي طرف، بما فيها المصارف نفسها. بهذا المعنى، ما زالت الحكومة في منطقة غامضة، بالنسبة للأمور التي عرقلت تنفيذ خطط التعافي المالي السابقة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ وزير الماليّة ياسين جابر ذكر في إحدى مقابلاته مسألة العودة إلى فكرة “صندوق استرداد الودائع”، التي وردت سابقًا في مسودّة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، التي عملت عليها حكومة ميقاتي. إلا أنّ جابر لم يقدّم أي إيضاحات بخصوص آليّات عمل هذا الصندوق، ولا كيفيّة تمويله. كما لم يقدّم أي تفسير بخصوص العلاقة القانونيّة ما بين هذا الصندوق والدولة اللبنانيّة. المسألة الأكيدة الوحيدة، التي يمكن استخلاصها من كلام جابر، هي أنّ الصندوق سيرتبط بالحلول التي ستقدمها الحكومة لكبار المودعين.

تحديات المرحلة المقبلة
كل ما سبق ذكره، لا يعني أنّ الحكومة قادرة على تجاوز مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي بسهولة شديدة. إذ من الممكن أن تبادر الحكومة إلى صياغة خطّة تعافي مالي جديدة، غير أنّها ستُواجه –من جانب الصندوق- بشروط مشابهة لتلك التي فرضها الصندوق أمام حكومة ميقاتي. ومن الممكن طبعاً أن يتساهل الصندوق في بعض جوانب خطّة التعافي المالي، إذا وجد ارتفاعًا في حظوظ نجاح الخطّة.

غير أن الشروط الأساسيّة ستبقى على حالها، وخصوصًا من جهة ضرورة إقرار التشريع المطلوب لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وعند هذه النقطة، سيكون على الحكومة مغادرة المساحة الآمنة، والانتقال إلى تحديد خياراتها بالنسبة لعمليّة لمعالجة وضع المصارف. أي بصورة أوضح، بالنسبة لعمليّة توزيع خسائر القطاع المصرفي.

ومن الواضح –من جميع تصريحات الوزراء- أنّ الحكومة تدرك مدى تراكم الملفّات ذات الطابع الاقتصادي، بما فيها الاستحقاقات الداهمة التي سيتم التعامل معها خلال الأشهر القليلة المقبلة. ومنها بطبيعة الحال سلّة التعيينات، التي يفترض أن تعالج أزمة الشغور في المراكز الإداريّة الأساسيّة في القطاع العام. لكنّ حتّى هذه اللحظة، لم تتضح بعد الآليّة التي ستعتمدها لهذه الغاية، بما في ذلك دور مجلس الخدمة المدنيّة في إجراء مسابقات تنافسيّة لإجراء هذه التعيينات. الاتفاق على هذه الآليّة، وتخطّي آلية المحاصصة التقليديّة، سيكون تحديًا أساسيًا في المرحلة المقبلة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةمطار القليعات للطوارئ وحامات “دولي” بمؤهلات لوجستية وإلا … الأمن على طريق المطار أولوية وأقل كلفة!
المقالة القادمةدبوسي يستقبل وفد جمعية تجار زغرتا – الزاوية