في 13 أيار 2019، أرسل وزير الإقتصاد والتجارة كتاباً إلى مجلس الوزراء يقترح فيه فرض رسوم نوعية على بعض المنتوجات الصناعية التي يستوردها لبنان (اللائحة كاملة موجودة في جريدة الجمّهورية تاريخ 26/7/2019). هذه الخطّوة هي خطوة أساسية ومُهمّة بحكم أنها تحمي الصناعات الموجودة حالياً في لبنان. ويُعطي الموقع الإلكتروني للجمارك اللبنانية إستيراد لبنان من هذه السلع والبضائع حيث تبيّن لنا أنه خلال العام 2018 بلغ إجمالي ما يستورده لبنان منها 573 مليون دولار أميركي، منها 80 مليون سكر أبيض مكرّر، 69 مليون برادات ومجمّدات للحفط ومعدات التبردي، 56 مليون غرانيت ورخام، 53 مليون بسكويت محلّى، 52 مليون مواد تنظيف، و37 مليون جبنة وخثارة.
وبحساب بسيط للرسوم الجمّركية المفروضة حالياً والمُقترحة في مشروع المرسوم، نجد أنّ مدخول الدّولة عن العام 2018 نتيجة إستيراد هذه السلع والبضائع يجب أن يكون 86 مليون دولار أميركي مقارنة بـ 165 مليون دولار أميركي في حال تمّ فرض الرسوم المُقترحة في مشروع المرسوم. إلّا أنه وبسبب مبدأ العرض والطلب المعمول فيه في السوق، من المفروض أن تنخفض قيمة الإستيراد من هذه البضائع وبالتالي فإنّ إجمالي الرسوم سينخفض بحسب مرونة الطلب على الأسعار (Elasticity).
هذا الإجراء المشروط بموافقة جامعة الدول العربية عملاً بمعاهدة التيسير العربي، ستكون له تداعيات إيجابية على الصناعيين في القطاعات التالية: الرخام والغرانيت، أنابيب الحديد، الألومنيوم، الأدوات الصحية، البرادات والمجمّدات، صناديق الشاحنات، صناعة الكرتون، صناعة الورق، المحارم المُعطّرة، الورق الصحّي، النسيج والملبوسات، الأحذية والمصنوعات الجلدية، مواد التنظيف، المفروشات، البسكويت والويفر، البرغل، الطحين، المعكرونة، المأكولات المُعلّبة، العلكة والسكاكر، الكورن فلكس، السكر الأبيض المكرّر، الحليب السائل، والألبان والأجبان.
لكن كما لهذا الإجراء حسنات، هناك سيّئات قد تبرز إذا لم تتخذ الدولة إجراءات إحترازية وعلى رأسها:
أولاً – منع الإحتكار في هذه القطاعات تحت طائلة تحميل الكلفة للمواطن اللبناني؛
ثانياً – إلزام المصانع اللبنانية المُستفيدة من هذا الإجراء بـ «كوتا» معيّنة من اليد العاملة اللبنانية تحت طائلة تركيز الثروات لدى مساهمي المصانع؛
ثالثاً – وضع خطّة لمكافحة التهريب تحت طائلة نقل الأرباح إلى جيوب المهرّبين.
وفي ظل فرضية أنّ كلّ ما تقدّم تمّ الإلتزام به، هناك إشكالية تظهر في حماية المرسوم للصناعات القائمة فقط. وهذا الأمر لا يُمكن أن يرتقي بالقطاع إلى المستويات المنشودة بحكم أنّ حجم الإستيراد المُستهدَف يبلغ 573 مليون دولار أميركي من أصل 20 مليار دولار أميركي إجمالي الإستيراد.
القطاع المحمي يُمثّل قسماً من إستهلاك لبنان من الإستيراد، وبالتالي نظرة الحكومة اللبنانية يجب أن تكون توسيع رقعة الصناعات المحلّية التي يُمكن أن تسدّ حاجة المواطن اللبناني وتُشكلّ بديلاً جدّياً عن الصناعات المُستوردة. بالطبع، لبنان لا يتمتّع بالمعرفة التكنولوجية الكافية لتغطية كلّ الصناعات ولا بأموال كافية لتغطية الإستثمارات. من هذا المُنطلق يتوجّب وضع خطّة يكون عمادها وضع لائحة لأكثر البضائع والسلع المُستورَدة والقيام بما يلزم لدعم الإستثمارات في القطاعات المعنية مع مواكبة جمّركية لهذه الإستثمارات.
فعلى سبيل المثال، تأتي المُشتقات النفطية على رأس السلع المستوردة من الخارج مع 3.1 مليارات دولار أميركي من أصل 8.9 مليارات دولار أميركي مُستوردة في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019. وقد يظنّ البعض أنّ هناك إستحالة فرض رسوم على المُشتقات النفطية نظراً إلى أن لا بديل عن هذا الإستيراد وقد يكون وقع الرسوم على المواطن كارثياً!
هذا القول حقّ، لكنّ الدخول في تفاصيل ما يستورده لبنان من مُشتقات نفطية، يُظهر أنه إضافة إلى البنزين والمازوت والغاز، يستورد لبنان الزيت والشحم… وغيرها. وهذه السلع لا تحتاج إلى تكنولوجيا عالية لتصنيعها، لذا كنظرة أوّلية لا شيءَ يمنع الحكومة من تحفيز القطاع الخاص لإنتاج هذه السلع على أن يتمّ إعفاء الموادّ الأوّلية المُستخدَمة في تصنيعها من الرسوم الجمركية، ما يعني أنه وفي ظرف سنوات يُصبح لبنان قادراً على إنتاج هذه السلع بشكل يكفي حاجة السوق اللبناني بنسبة كبيرة.
الأمر نفسه يطال السيارات وقطع الغيار، إذ يستورد لبنان ما يقارب المليار دولار سنوياً خصوصاً من الولايات المُتحدة الأميركية. وهنا نطرح السؤال، لماذا لا يتم تجميع السيارات في لبنان؟ يقولون إنّ لبنان بلد صغير وهو مُختص بالخدمات وبالتالي لا يُمكن التوجّه إلى الصناعات الثقيلة. في الواقع هذا التفكير هو تفكير خاطئ من ناحية أنّ هناك العديد من المناطق اللبنانية التي تتمنّى وتحتاج إلى أن تستقطب قطباً صناعيّاً لتجميع السيارات كما تفعل رومانيا أو تركيا أو غيرها من البلدان. أضف إلى ذلك أنّ المساحة المطلوبة لمثل هذه المصانع يُمكن تأمينُها بكل سهولة في المناطق البقاعية أو الشمالية. وماذا نقول عن الأدوية وغيرها من المُنتجات التي يستوردها لبنان بشكل كبير؟
على كلٍ المنهجية الواجب إتّباعها على هذا الصعيد، هي منهجية تنطلق من محاولة تصنيع أكثر المُنتجات المُستوردة. وإذا لم ننجح بالتصنيع (إن بسبب التكنولوجيا أو الإستثمارات)، فإنّ محاولة تجميعها في لبنان سيعود بالفائدة على الشركات اللبنانية، اليد العاملة اللبنانية ومالية الدّولة إضافة إلى تخفيف عجز الميزان التجاري والذي يُخرج سنوياً من لبنان ما يقارب الـ 20 مليار دولار أميركي. هذا الرقم الضخم، هو من حق الإقتصاد اللبناني وليس الإقتصادات الخارجية وكل فشل في إعطاء الإقتصاد حقّه هو فشل في السياسة الإقتصادية.
من هذا المُنطلق، ندعو الحكومة اللبنانية إلى وضع فريق عمل يتبع المنهجية المنصوص عليها أعلاه، ويُحدّد الصناعات التي يُمكن القيام بها في لبنان لما في ذلك من خير على المواطن، الشركات والدولة.