حملة اليوروبوندز يستعدّون: “تخبيص” النوّاب أجمل هديّة لهم

اليوم الخميس، الواقع في 9 آذار، تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لتوقّف لبنان عن سداد سندات اليوروند، بعدما أعلن رئيس الحكومة قبل يومين من ذلك التاريخ هذا القرار في خطاب تلفزيوني شهير. بعد ثلاث سنوات من ذلك الحدث، تكثر الشواهد والمعطيات التي تشير أنّ حملة السندات لم يكونوا نائمين منذ ذلك الوقت، بل كانوا يتحيّنون الفرصة المناسبة لفرض شروطهم على الدولة اللبنانيّة.

وحسب العديد من المصادر الماليّة المتابعة لأخبار سوق الدين اللبناني، قد تكون هذه اللحظة قريبة جدًا، بمجرّد دخول المجلس النيابي مرحلة “التخبيص” في معالجة فجوة الخسائر المصرفيّة. وبينما تتحذلق اللوبيات النيابيّة المحسوبة على المصارف، للتملّص من شروط الحل المنطقيّة، يستعد حملة السندات للاستثمار في سطحيّة هؤلاء النوّاب وعدم إلمامهم بقواعد عمل أسواق المال.

حملة سندات اليوروبوند ينتظرون الفرصة المناسبة

أكثر من ثلثي سندات اليوروبوند –سندات الدين العام بالعملات الأجنبيّة- مملوكة من “صناديق انتهازيّة” ومجموعات استثماريّة أجنبيّة، بينما لم تبدأ الدولة منذ ثلاث سنوات أي عمليّة تفاوض جديّة معهم. وحين نتحدّث عن الصناديق الانتهازيّة، التي تملك جزءًا كبيرًا من هذا الدين، فنحن نتحدّث عن جهات قامت بشراء السندات بعد دخول لبنان أزمته، من الأطراف المحليّة كالمصارف مثلًا، وبخصومات كبيرة من قيمة السندات. وهذا تحديدًا ما يدفع هؤلاء لانتظار التفاوض مع الدولة لإعادة هيكلة السندات، لتحصيل ما يمكن تحصيله بعد إجراء “هيركات” (اقتطاع) معيّن على قيمتها، على أمل أن تكون قيمة الاسترداد أكبر من قيمة شراء هذه السندات.

ما الذي ينتظره هؤلاء المستثمرون قبل تحريك الدعاوى القضائيّة، طالما أنّ الدولة تجاهلت على مدى السنوات الثلاث الماضية ضرورة بدء التفاوض معهم؟

بالمختصر المفيد، يدرك حملة السندات أنّهم يملكون أوراقاً حسّاسة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها. فطالما أنّ الدولة لم تقم بإعادة هيكلتها دينها، فلا عودة للبنان إلى أسواق المال الدوليّة. وهكذا، ومهما طالت فترة الانتظار، الدولة عائدة للتفاوض معهم وحل مسألتهم، سواء برغبتها، أو بقوّة القانون الدولي إذا لزم الأمر.

وعلى هذا الأساس، ينتظر هؤلاء التوقيت الأفضل من الناحيتين القانونيّة والاقتصاديّة، لفتح المفاوضات مع الدولة اللبنانيّة، التي –لسخرية القدر- لم تدرس بعد في المقابل نقاط قوّتها ولا التوقيت المناسب لبدء المفاوضات، بعدما بات التعامل مع الملفّات الماليّة يجري بالقطعة وبأسلوب “كل يوم بيومه”، كما يُقال بالعاميّة في لبنان.

حملة السندات، يملكون مفتاح فرض لحظة التفاوض في وجه لبنان، عبر الضغط على زر الدعاوى القضائيّة. وتريّث هؤلاء حتّى اللحظة، يدل ببساطة على انتظارهم تطوّرات محددة يعرفونها جيدًا، تزيد من قوّة ملفّهم التفاوضي وتحصّنه. مع الإشارة إلى أنّ مفاوضات هؤلاء مع لبنان ستتركّز على محاور معيّنة، منها نسبة الاقتطاع من قيمة السندات، ونسبة الفوائد على السندات بعد إعادة الهيكلة، وجدول السداد الجديد، وأهم ما في الأمر: إمكانيّة إدراج ضمانات محددّة (من أصول الدولة؟) في عقود الاستدانة الجديدة.

التخبيص النيابي

تشير المصادر الماليّة إلى أنّ التطوّر الأساسي الذي ينتظره حملة السندات، قبل رفع الدعاوى أو التفاوض، هو بت خطّة التعامل مع فجوة الخسائر المصرفيّة. فمع تزايد منسوب الشعبويّة في المجلس النيابي، واتجاه معظم الكتل لتبنّي فكرة “الصندوق السيادي” الذي تضغط باتجاهه جمعيّة المصارف، يترقّب حملة السندات قانون استعادة الانتظام المالي، والمسؤوليّة الماليّة التي سيحمّلها القانون للدولة في عمليّة معالجة الخسائر المصرفيّة. مع الإشارة إلى أنّ فكرة الصندوق السيادي تقوم على تخصيص عائدات استثمار مرافق أو أصول عامّة، من أجل إعادة رسملة المصارف وإطفاء خسائرها.

بمجرّد انزلاق المجلس النيابي بهذا الاتجاه، سيكون بإمكان حملة السندات أن يفتحوا التفاوض مع لبنان من موقع أقوى: فكيف تريد الدولة منهم أن يتقبلوا نسبة اقتطاع كبيرة من الديون، بينما تراكم على نفسها قيمة أكبر من الديون لإعادة رسملة قطاع خاص؟ ولدفع ودائع لم تكن أساسًا ديوناً حكوميّة مباشرة؟ كيف تريد الدولة إعادة هيكلة سندات اليوروبوند، من دون تقديم أصول معينة كضمانات، في حين أنها ترهن أصولاً أخرى لسداد قيمة ودائع كانت مترتبة على المصارف التجاريّة؟ وكيف تنطلق الدولة في تفاوضها مع حملة السندات من مبدأ حماية أصولها، بينما لا ينطبق هذا الشرط على علاقتها مع المصارف اللبنانيّة؟

في واقع الأمر، لا يوجد أي اكتشاف جديد في الإشارة إلى علاقة شعبويّة المجلس النيابي، وأفكار جمعيّة المصارف، بكميّة المخاطر التي ستتحملها الدولة في تفاوضها مع الدائنين. إذ لطالما لفت صندوق النقد نظر الدولة اللبنانيّة إلى هذه النقطة، في جولات التفاوض المتكرّرة، التي عبّر فيها الصندوق عن عدم موافقته على فكرة رسملة المصارف من المال العام أو أصول الدولة. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ صندوق النقد نفسه هو دائن محتمل، عبر برنامج القرض الذي تطلبه اليوم الدولة اللبنانيّة، وهو ما يدفع الصندوق أيضًا إلى عدم تفهّم مبدأ إقراض دولة تقوم باستخدام أموالها العامّة لتعويم مصارف خاصّة، وإعفاء المساهمين فيها من تحمّل نصيبهم من الخسائر.

في جميع الحالات، تكمن المشكلة الأساسيّة اليوم في أنّ كل ما يجري، سواء على مستوى الحكومة أو مجلس النوّاب، لا يستند إلى أي استراتيجيّة واضحة المعالم، بما يأخذ بالاعتبار تشعّبات الملفّات الماليّة المختلفة، ومخاطرها القانونيّة والماليّة. وهذا تحديدًا ما قد يحوّل نقاشات المجلس النيابي، وما قد ينتج عنها من قوانين متسرّعة، إلى لغم يضرب مسارات الحلول المطلوبة للخروج من الانهيار الحاصل اليوم. فالمجلس النيابي بدأ مثلًا بمناقشة قانون استعادة الانتظام المالي منذ فترة، من دون أن يعرف –ومن دون أن تعرف الحكومة حتّى- مستوى الاقتطاع الذي تستهدف الدولة تطبيقه على سندات اليوروبوند، رغم اتصال هذه المسألة بقيمة موجودات القطاع المصرفي ومصرف لبنان، ومنها محفظة سندات اليوروبوند التي يملكها القطاع.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةاتجاه لرفع الدولار الجمركي إلى 70000 ليرة خلال شهرين كحد أقصى
المقالة القادمةالدولار هبط 1,000 ليرة وليس 13,000… فلا تنغشّوا