حملة عُمانية لتحصين الاقتصاد من عمليات غسيل الأموال

شكلت تحذيرات البنك المركزي العماني من مغبة الالتفاف على القوانين في جمع أو تحويل الأموال المشبوهة عن طريق محلات غير مرخصة، تحولا كبيرا في سياسات البلد الخليجي بهدف تحصين الاقتصاد من عمليات غسيل الأموال، ضمن استراتيجية إصلاح شاملة يشرف عليها السلطان هيثم بن طارق، وذلك في سياق العمل الخليجي المشترك لمكافحة هذه الظاهرة العابرة للحدود.

اعتبرت أوساط مالية أن التحذير، الذي أطلقه البنك المركزي العماني الخميس بشأن التعامل مع مكاتب صرافة غير المرخصة لها قانونيا يعطي لمحة عن وجود تغيير شامل في استراتيجية السلطات لتطويق العمليات المالية المشبوهة، والتي قد تحدث ضررا بالاقتصاد.

وربط محللون هذا الإجراء بقضية غسل الأموال، التي ما فتئت تتصاعد في منطقة الخليج خلال السنوات القليلة الماضية، ويبدو أن مسقط تحاول السيطرة عليها خاصة في ظل الرقابة الغربية من مؤسسات تعني بمتابعة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي سابقة لم تكن ذات أولوية في عهد الراحل السلطان قابوس، حذر البنك المركزي في بيان نشرته وكالة الأنباء العمانية الرسمية كافة المواطنين والمقيمين إلى توخي الحذر وعدم القيام بتحويل الأموال من خلال الخدمات المقدمة من قبل أفراد ومحلات غير مرخصة من قبل البنك المركزي.

ولأن مثل هذه النوعية من التعاملات المالية قد تؤدي إلى مشاكل تهدد الأمن المالي للبلد الخليجي، والذي يعاني أصلا من أزمة اقتصادية، شدد المركزي على أن التعامل في أنشطة تحويل الأموال غير المرخصة يعد أمرا غير قانونيا ومخالفا لأحكام القانون المصرفي العماني وقانون نظم المدفوعات الوطنية وقانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ووفق القانون العماني يحظر مزاولة أعمال تحويل الأموال في البلاد دون ترخيص لتحويل الأموال دوليا باستخدام أساليب ونظم غير مرخصة مثل تطبيق “البي كاش”، بينما تعتبر شركة “يوني موني” من أفضل شركات الصرافة على مستوى البلاد.

ولكن يبدو أن السلطات النقدية العمانية لم تطور على النحو المطلوب سياساتها المالية من أجل حماية الاقتصاد من الجرائم المالية كما هو الحال مع الإمارات، على سبيل المثال، والتي أصدرت قانونا في عام 2012 يجعل تسجيل الحوالات أمرا إلزاميا، وذلك من أجل الرقابة على الحوالات التي تُعتمد بسبب زيادة نسبة المهاجرين وخشية ذهابها إلى أماكن مجهولة.

وعُمان عضو في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (فاتف)، إلى جانب كونها عضوا في وحدة الاستخبارات المالية، والمعروفة باسم وحدة معالجة المعلومات المالية، كما أنها عضو في مجموعة إيغمونت، وهي شبكة غير رسمية تسعى إلى تعزيز التعاون الدولي بين وحدات المعلومات المالية.

وتستضيف البحرين، أكثر دول الخليج العربي تضررا من التمويلات الإيرانية، الهيئة الإقليمية لفاتف، وقد كانت من أوائل دول المنطقة، التي قننت التبرعات للجمعيات الخيرية من خلال القانون الصادر سنة 1956.

وفي خطوات تؤكد التزام الحكومة العمانية بتأكيد توجهها كبلد يسعى إلى المحافظة على مشاركته في تحقيق أمن المنطقة، وأن من واجبها تعطيل تمويل الإرهاب، قامت كافة المؤسسات المالية بتنفيذ التوصيات الـ40 لمجموعة فاتف بشأن غسيل الأموال، إضافة إلى ثماني توصيات بشأن تمويل الإرهاب.

وتتويجا لهذه التحركات قرر الاتحاد الأوروبي في وقت سابق هذا الشهر شطب اسم سلطنة عمان ممّا يعرف بقائمة الدول غير المتعاونة في المجال الضريبي، والتي بدأ الاتحاد العمل بها في ديسمبر 2017 بغرض تكثيف الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة التهرب الضريبي وتجنب الازدواج الضريبي ومكافحة غسيل الأموال.

وقالت الولايات المتحدة في تقرير سنوي نشرته وزارة الخارجية حول مكافحة الإرهاب العالمي في يونيو الماضي إن عُمان شريك إقليمي مهم في مكافحة الإرهاب يعمل بنشاط لمنع الإرهابيين من شن هجمات أو استخدام البلاد كملاذ آمن.

ولطالما ارتبطت عمليات غسل الأموال بالإرهاب، حيث هناك العديد من التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، وأيضا الجماعات المحظورة مثل حزب الله اللبناني وميليشيات تابعة لتركيا وإيران في كل من العراق وسوريا وليبيا، استطاعت الحصول على تمويلات ضخمة بطرق غير مشروعة.

وكان السلطان هيثم بن طارق قد وضع الاقتصاد ضمن أولويات برنامجه الإصلاحي، قائلا في خطاب له إثر توليه زمام الحكم في شهر يناير الماضي، إنّ “عمان على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها”، واعدا بإنجاز تغييرات تطول الإدارة، والاقتصاد، كما تمسّ قطاع التعليم كإحدى أولويات الدولة في عهده.

وأصدرت عُمان قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في عام 2010، والذي قام بتوحيد كافة التشريعات المرتبطة بجرائم التمويل، بما يدعم اتفاقية دول مجلس التعاون لدول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب ووقف كل معاملة قد تكون لها صلة بهذا الخطر، كخطوة رئيسية في الأوسع نطاقا تعطيل وتفكيك البنية التحتية الشاملة للإرهاب والعنف.

ورغم أن البلد الخليجي، لا يعاني جرائم مالية كبيرة، فإنه عمل طيلة السنوات الماضية على هذه النقطة، وقد أعلنت مسقط خلال منتدى التوعية الخامس عن المعاملات المشبوهة الذي استضافته في مارس من العام الماضي أنها بصدد تقييم أدائها في مجال مكافحة غسل الأموال.

وقال طاهر العمري الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني، رئيس لجنة مكافحة غسل الأموال، في ذلك الوقت إن الجهود انصبت على التوعية في ما يتعلق بعملية التشريعات لأن بلاده كانت مقبلة على تقييم دولي في ما يتعلق بقدرة السلطنة والأجهزة الموجودة فيها على مكافحة هاتين الجريمتين.

وفي ديسمبر الماضي، شارك مسؤولون عمانيون في ورشة عمل نظمتها وزارة العدل الأميركية، التي ركزت على تعطيل آليات تمويل الإرهاب والجريمة من خلال التحقيقات السرية الفعالة عبر الإنترنت.

ويعد العمل المصرفي نشاطا حيويا في أي اقتصاد، ولدى البنوك مهمة أساسية ومتعاونة للقيام بها، كما يعتمد سلوك القطاع المصرفي والمالي على صلابة الاقتصاد، ومن هنا تريد مسقط أن تكون التحويلات المالية ضمن هذا الإطار حتى يتسنى لها تعقب الأموال المشكوك في مصادرها.

وبالنظر إلى حجم النمو والتعاملات المالية، تعتبر عُمان، المصنفة ديونها عالية المخاطر من وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث، من أضعف اقتصادات منطقة الخليج الغنية بالنفط، وقد راكمت ديونا في السنوات الأخيرة لتعويض الهبوط في إيرادات النفط.

 

المادة السابقةالمملكة المتحدة تتعهد بتقديم أكثر من 20 مليون دولار لصالح “أونروا”
المقالة القادمةالتكامل الصناعي مطمح يحاول الخليجيون ترسيخه