حين يتحكّم “حَمَلَة الشنطة” بأصناف الأدوية المفقودة

نتعقب “سوق الدواء السوداء” التي اصبحت ملاذاً لكثيرين. سميّة تسأل كل سائل عن دواء: هل تريد دواء مماثلاً، بذات التركيبة، لكن سوري المنشأ؟ كثيرون يترددون في البداية لكن لا يطول الوقت بهم كثيراً قبل أن يعودوا ويجيبوا: نعم. فكيف تعمل بثينة ح.؟ كيف تتم عملية نقل الأدوية “بالشنطة” من سوريا الى لبنان؟ تجيب: “الأدوية، صناعة دمشق أو حمص أو حلب، تنتقل بالتهريب. ونستطيع تأمين نحو 90 في المئة من الأدوية المماثلة من هناك خصوصاً منها المخصصة للأمراض المزمنة”

قبل حين، ونحن في مخيم برج البراجنة، لفتتنا آرمة على دكانة أدوية: صيدلية سوريا. فهل يمكن أن يشتري اللبنانيون نفس الأدوية السورية من المخيمات الفلسطينية؟ تجيب بثينة: “هناك، في ذلك المخيم الفلسطيني، على مساحة 500 متر مربع نحو 15 صيدلية تبيع الأدوية السورية. مثلا، هناك دواء سوري للسكري، يباع في لبنان بسعر 85 ألف ليرة لبنانية، أما سعر نفس تركيبته في تركيا فـ25 دولاراً. لذا، التركيز اليوم هو على الدواء السوري”.

ويغوص “بائع الأدوية” في الوضع السوري ويقارن بين قدريّ “الشعب الواحد في بلدين في قطاع المحروقات ايضاً: “هناك، تعطي الدولة 100 ليتر بنزين في الشهر كمخصصات لأصحاب المركبات ومن يحتاج الى أكثر يدفع ثمن الصفيحة الواحدة ما يعادل 450 ألف ليرة لبنانية. هناك شيء آخر لا يُذكر، بحسب أحمد، وهو أن اللبناني، ولو مضى على وجوده هناك مئة عام، لا يأخذ مخصصات، إلا إذا كان متزوجاً من سورية. أما هنا، في لبنان، فالسوري كما اللبناني كما الفلسطيني كما الأميركي كما الإيراني، الكلّ يحصل على نفس الدعم”. فلنعد الى الأدوية، هل أسعارها رخيصة كما نسمع؟ يجيب أحمد: “الأسعار ارتفعت بسبب انخفاض قيمة العملة اللبنانية، حيث كانت كل الف ليرة سورية قبل ثلاثة أشهر تعادل 3000 ليرة لبنانية، أما اليوم فأصبحت تعادل 6700 ليرة. الليرة السورية أصبحت شبه ثابتة أما اللبنانية فلا تزال تنخفض”.

يؤكد نقيب الصيادلة غسان الأمين أن “النقابة تلاحق مثل هؤلاء الذين يقومون بالإتجار بالأدوية بلا شرعية قانونية ونحن نرسل الى الوزارات إخبارات بهم لأن لا حق لنا مباشرة بمنعهم. سلطتنا هي على الصيدليات لا على حملة الشنطة. وخوفنا هو أن لا احد يعرف كيف يجيء هؤلاء بالأدوية من الخارج، وكم تمكث في الشمس، وأين يتم تخزينها. ثمة شروط لنقل كل دواء لا أحد قادر أن يُحددها في حالة هؤلاء”. هل هذا معناه أن من يجد دواء “مهرباً” بالشنطة ليس في أمان مطلقاً؟ يجيب: “فلنسلّم جدلاً أن أحدا ما ذهب الى سوريا أو الى تركيا وجلب معه عشرة أدوية، وضعها في “تابلو” السيارة، في حرارة آب العالية، فهل يمكننا الجزم في الحالة التي تصل فيها الى المستهلك؟ طبعاً لا. لذا، نطالب وبإلحاح التنبه الى هذه الظاهرة.

أزمة الأدوية مستمرة بحسب نقيب الصيادلة ويشرح: “مصرف لبنان مسؤول عن الأزمة لأنه ليس صادقاً في موضوع الدعم أبداً. فيا ليته اعترف بأنه لن يدعم بدل أن يظل يراوغ. خبران. فلننتبه إليهما جيداً. الأول، ها هو وزير الصحة حمد حسن قد تلقى للتوّ رسالة من نظيره السوري يبدي فيها جهوزية بلاده “لإمداد لبنان باحتياجاته من الأصناف الدوائية التي يتم إنتاجها في سوريا”. الخبر الثاني، الأدوية الإيرانية تغزو الصيدليات السورية بعدما دخلت إيران، منذ أعوام ثلاثة، على خط الإستثمار في مجال التصنيع الدوائي في سوريا. والسوريون يتذمرون من قلة فعاليتها. يعني، دخلنا في لبنان في دهليز الأدوية السورية – الإيرانية على “الهينة والمستريح”! ونحن في كل ما يصيبنا كمن يتجرع السم رويداً رويداً. واللبناني المسكين، الذي ما زال يراهن على إمكانية حلّ وقرب ولادة حكومة، بين فكيّ كماشة: دواء مفقود… أو دواء بلا مواصفات علمية واضحة. والآتي أعظم.