خارطة الفقر في لبنان تتسع على إيقاع الركود

تتعمق معاناة الأسر اللبنانية التي تواجه خيارات أكثر صعوبة ما كانت ترد على خاطرها من قبل جراء تدهور أوضاعها المعيشية في ظل الأزمة المالية مع كل يوم تتباطأ فيه الحكومة للملمة الفوضى التي باتت سائدة في البلد المنهار، مما يسرع من وتيرة توسع خارطة الفقر.

 

انضم العديد من اللبنانيين مرغمين إلى جحافل الفقراء ليشكلوا دليلا آخر على مدى الصعوبات، التي يعاني منها معظم الناس، في بلد ظلّ طريقه نحو الخروج من المأزق المالي والاقتصادي بفعل طبقته السياسية الفاسدة.

وتختزل أسرة حسين حمادة، التي كانت في السابق من ميسوري الحال قبل أن يفقد معيلها الوحيد عمله لتندفع نحو دائرة الفقر، هذه المتاعب، في ظل التحذيرات الدولية المستمرة منذ أشهر من تزايد عدد الجياع في ظل سوق عمل باتت مدمرة.

ويقضي حمادة يومه في البحث عما يساعده على تجاوز أزمة اقتصادية ممتدة يخشى بعض اللبنانيين أن تكون قد تحولت إلى وضع طبيعي، إذ لا يجد الرجل البالغ من العمر 51 عاما عملا يمكنه من إعالة أسرته المكونة من أربعة أفراد.

وفقد حمادة وظيفته المستقرة في مجال النجارة وأصيب بمرض يحتاج إلى أدوية باهظة الثمن.

واعتاد الرجل اصطياد السمك وبيعه لتحقيق دخل إضافي لكنه قال إن الزبائن في منطقته الساحلية الفقيرة بجوار مطار بيروت لم يعد بمقدورهم شراء السمك أو إنهم لا يشترونه لأن انقطاع الكهرباء المتكرر يعني عدم إمكانية الاحتفاظ به في الثلاجة.

ومثل الكثير من اللبنانيين تتأرجح أسرة حمادة على شفا الوقوع في الفاقة لكنها لا تسقط أبدا في براثنها لتعيش حياة مُرهِقة مليئة بالتوتر تجعله مشوشا وغير قادر على التخطيط للمستقبل.

وقال حمادة لتلفزيون رويترز “اليوم بيومه ولا مستقبل عندنا”، بينما تدرس طفلتاه البالغتان تسع سنوات و13 سنة على الضوء الخافت الآتي عبر نافذة في الشقة غير المضاءة المكونة من غرفة واحدة.

وتهاوى النظام المالي للبنان، الذي كان سابقا ضمن فئة البلدان متوسطة الدخل، في منتصف أكتوبر 2019 مما أدى إلى انهيار في الليرة. وتقول الأمم المتحدة إنه أدى إلى سقوط أربعة من كل خمسة لبنانيين في براثن الفقر.

وخلصت دراسة نشرتها مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي في ديسمبر الماضي إلى أن نحو ثلاثة من كل أربعة أشخاص شاركوا في الاستطلاع في لبنان عانوا توترا “على مدى جزء كبير اليوم”.

وتشكل النتائج ذروة جديدة لمؤشرات القياس بالبلاد منذ بدأتها قبل 16 عاما. وقال نحو 63 في المئة من المشاركين إنهم سيهاجرون من البلاد إلى الأبد لو أتيحت لهم الفرصة.

وأصبح نحو 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 6.5 مليون نسمة يعتبرون فقراء، وفي سبتمبر العام الماضي كان لدى نصف الأسر طفل على الأقل فقد وجبة وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) مقارنة مع ثلث الأسر في أبريل من العام ذاته.

وكغيرها من الأسر، باتت أسرة حمادة تعيش على المساعدات، التي بالكاد تكفي في ظل التكاليف المعيشية الباهظة مع تضخم يقترب من 180 في المئة وهو من بين الأعلى في المنطقة العربية إلى جانب السودان وسوريا.

وتحصل أسرة حمادة على نحو 200 دولار من الأقارب وبرنامج الإعانة الاجتماعية الحكومي، بالإضافة إلى الجيران الذين لا يبخلون بالمساعدة عندما يمكنهم ذلك.

وتتحمل جمعية خيرية الجانب الأكبر من المصروفات الدراسية لابنتيه كما أن جزءا من أدويته مدعوم من الحكومة.

وقال حمادة “اليوم تغدينا وتعشينا أما الغد نتركه للغد” وأضاف “كنا قبل نخطط لشهر أو لسنة أو لسنتين أو لعشرة وقد كانت عندنا إستراتيجية لذلك ولكن الآن فقدنا الإستراتيجية”.

وكانت الأزمة، باعتراف كبار الساسة، نتيجة لعقود من الإسراف في الإنفاق واستشراء الفساد مما أدى إلى انهيار النظام المالي وهو مُقرض رئيسي للحكومة.

ويقول خبراء اقتصاديون إن الأزمة ستتعمق ما دام الساسة يؤجلون إقرار الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي في أبريل واللازمة للحصول على مساعدات بمليارات الدولارات.

وتداعت الخدمات الحكومية الأساسية بينما رُفع الدعم عن جميع السلع وترك عشرات الآلاف من اللبنانيين بلادهم بحثا عن وظائف بالخارج في أكبر موجة هجرة منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

ووصف البنك الدولي أزمة لبنان بأنها “كساد متعمد” من تدبير النخب السياسية والمالية، بينما تقول الحكومة إنها ما تزال ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات التي ستمهد الطريق لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

لكن ضغط الناس من أجل الإصلاح تراجع إلى حد كبير بعدما بلغ ذروته في احتجاجات 2019 وبعد انفجار مرفأ بيروت في 2020.

واستمرت الأحزاب التي حكمت البلاد لعقود في حصد أغلبية كبيرة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي دون أن تطرأ تغيرات تذكر على حياة الناس.

وقال محمد شمس الدين إخصائي السياسة والأبحاث لدى شركة إنفورميشن إنترناشونال للاستشارات ومقرها بيروت إن “الشعب اللبناني يقبل ويتأقلم مع كل الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية”.

وذكر أن أسرا كثيرة عدلت أوضاعها تبعا للموقف بالعيش على المعونات وبضع مئات من الدولارات يرسلها لها أقاربها المغتربون كل شهر.

وأوضح شمس الدين أنه في حين أن لبنان اعتمد لفترة طويلة على تحويلات العاملين بالخارج، فقد زادت تلك التدفقات مع هجرة نحو 200 ألف شخص منذ 2019.

وفي الوقت ذاته تحصل الوظائف الحكومية الأساسية على دعم من المانحين الدوليين الذين يسعون للحيلولة دون الفشل الكامل للدولة.

ويدعم برنامج الأغذية العالمي وحده ثلث سكان لبنان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة بالغذاء والمساعدات النقدية، في حين أن تكاليف العلاج والدراسة وحتى رواتب العاملين بالأجهزة الأمنية يمولها بنسبة كبيرة مانحون دوليون.

وأصبح الاقتصاد مقسما بين طبقتين إحداهما يمكنها الحصول على العملة الصعبة وتسمى بـ”طبقة الدولار الطازج” وهي التي يمكنها تحمل نفقات الذهاب إلى المطاعم أو إرسال أطفالها إلى مدارس راقية.

في المقابل، تحصل الثانية على دخلها بالعملة المحلية ولا يمكنها تحمل أي شيء يذكر باستثناء النفقات الأساسية.

ويقول حمادة إن رؤية المطاعم ممتلئة في أحياء بيروت الراقية تصيبه بالحزن. وأضاف “فيها جرح. لا ننكر أن فيها جرحا، لكننا تعودنا”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةدعم فرنسي لمؤسسات طرابلسية تسدّ ثغرة غياب الدولة
المقالة القادمةالوعود باسترجاع الودائع حلم أم حقيقة؟