تراوح أزمة قروض “المؤسسة العامّة للإسكان” مكانها، في ظل تريّث المصارف التجاريّة، وعدم فتحها الباب لطلبات جديدة أمام المواطنين. وبينما ينتظر آلاف الشباب عودة هذه القروض، تم الإعلان عن خبر سار سيتيح المجال لمنح حوالى ألف طلب جديد، بالليرة اللبنانيّة، إنما من خلال “مصرف الإسكان” هذه المرّة، بدل آليّة قروض “المؤسّسة العامّة للإسكان” الممنوحة من خلال المصارف. ورغم عدم قدرة هذا العدد على تلبية الجزء الأكبر من الطلب في السوق، سيسمح هذا التطوّر بالتخفيف من حجم الطلبات الراكدة، التي تنتظر الحل النهائي لأزمة الإسكان.
فمصرف الإسكان تمكّن من الحصول على قرض بقيمة 165 مليون دولار أميركي، بالدينار الكويتي، من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والإجتماعي. ومن المفترض بحسب صيغة القرض، أن يتم سداده للصندوق خلال مدّة 30 سنة، وهو ما سيسمح بتمويل قروض سكنيّة على فترات طويلة. وسيكون على مجلس الوزراء اللبناني أن يقر في أوّل جلسة مقبلة له صيغة التمويل هذه، التي جرى الاتفاق عليها في مداولات الصندوق مع مجلس الإنماء والإعمار اللبناني.
وتتضمّن صيغة القرض منح التمويل لصالح مصرف الإسكان بفائدة 2.5 في المئة، على أن يقوم المصرف بإعادة تسليف هذه المبالغ للمقترضين بفائدة 5.5 في المئة، حسب شروط مصرف لبنان للقروض السكنيّة للعام 2019. ويُقدّر حجم طلبات القروض السكنيّة التي سيتم الموافقة عليها، من خلال هذا التمويل، بحوالى ألف طلب، على أن يقوم مصرف الإسكان بطلب تمويل جديد، خلال السنة المقبلة، لتمويل المزيد من الطلبات. مع العلم أن صيغة التمويل التي حصل عليها مصرف الإسكان، سبق أن تم إعتمادها سابقاً سنة 2013، عندما استفاد المصرف من قرض ميسّر بقيمة 112 مليون دولار، من الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي، لتمويل القروض السكنيّة التي يمنحها مصرف الإسكان.
وتنص صيغة التمويل هذه على بيع المبلغ بالدينار الكويتي لصالح مصرف لبنان، على أن يستحصل مصرف الإسكان على قيمة موازية بالليرة اللبنانيّة، لمنحها في القروض السكنيّة. وهو ما يعني تمكين المقترضين من الحصول على التسليفات هذه بالليرة، بدل الانكشاف على قروض بالعملة الصعبة على فترات طويلة، في الوقت الذي يتقاضون فيه رواتبهم بالليرة اللبنانيّة. كما تعني صيغة التمويل هذه، خلق طلب على الليرة اللبنانيّة، بقيمة وازنة. وهو ما سيلعب دوراً إيجابياً في ظل الظروف النقديّة الراهنة.
هذا التمويل لن يتمكّن بالتأكيد من معالجة مجمل أزمة القروض السكنيّة، خصوصاً أن الطلب على قروض الإسكان المدعومة يتجاوز، حسب التقديرات المصرفيّة، الخمسة آلاف طلب سنويّاً، بينما تُعالج صيغة تمويل مصرف الإسكان حوالى ألف طلب فقط. لكنّ حجم هذا الدعم – بقيمة 165 مليون دولار- يبقى وازناً مقارنةً بحجم أموال المصارف التجاريّة، التي خصصها تعميم مصرف لبنان للقروض السكنيّة خلال 2019، والتي تقدّر بـ300 مليار ليرة، أي أقل من 200 مليون دولار (بالإضافة إلى 490 مليار ليرة لمعالجة طلبات السنة الماضية). مع العلم، أنّ حتّى هذه المبالغ التي خصصتها رزمة مصرف لبنان مازالت مجمّدة في ظل عدم إستئناف المصارف منح القروض السكنيّة.
وتختلف صيغة قروض مصرف الإسكان عن قروض المؤسسة العامّة للإسكان، الممنوحة من خلال المصارف. فبينما تعتمد صيغة مصرف الإسكان على منح القروض بشكل مباشر للمقترضين، تعتمد صيغة المؤسسة العامة للإسكان -المجمّدة من قبل المصارف- على منح هذه القروض عبر المصارف التجاريّة نفسها، ومن خلال أموالها، بينما تقوم المؤسسة بسداد الفائدة المدعومة بالنيابة عن المقترض، في حين يقوم المقترض لاحقاً بسداد هذه الفوائد للمؤسّسة.
بالتأكيد ما زلنا بعيدين عن إيجاد حل حاسم لأزمة القروض السكنيّة، كون أصل المشكلة يعود إلى التغييرات التي حصلت في فوائد السوق. لكنّ صيغة التمويل هذه تفتح الباب أمام أفكار جديدة، للوصول إلى حلول محتملة لهذه الأزمة، ومنها على سبيل المثال، البحث عن مصادر تمويل بديلة بفوائد منخفضة، بدل انتظار انخفاض الفوائد محليّاً.