يعود العنوان المالي مجدداً إلى الواجهة مع تعيين صندوق النقد الدولي، ممثلاً له في بيروت واستعداد وفد خاص من الصندوق لزيارة لبنان في الأيام المقبلة، لاستكمال التفاوض مع الحكومة حول خطة الإنقاذ والتعافي المالي والإقتصادي، خصوصاً مع تسارع وتيرة الإنهيار وتراكم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، في ظل الإستحقاقات والمواعيد الدستورية المرتقبة.
وفي هذا السياق، يكشف الخبير الإقتصادي باتريك مارديني، أن صندوق النقد الدولي منفتح على خطة التعافي الحكومية، ولكنه وضع شروطاً وجزءاً منها هو إقرار قانون الموازنة العامة، وقانون رفع السرية المصرفية، وقانون “الكابيتال كونترول”، ويؤكد ل”ليبانون ديبايت”، أن صندوق النقد ينتظر من الجانب اللبناني أن يلتزم بالتعهدات التي قطعها قبل توقيع أي اتفاق معه، وطالما أن الجانب اللبناني لم يلتزم بعد، فإن لبنان هو الذي يؤخّر توقيع الإتفاق والحصول على الدعم المالي من صندوق النقد، وليس الصندوق.
ويؤكد الخبير مارديني، أنه لجهة التوجّه العام والحديث عن توزيع الخسائر كما ورد في خطة الحكومة، أو بكلام آخر إدارة التفليسة، كشف مارديني، أن توزيع الخسائر يجب أن يكون الخطوة الأخيرة، وليس الخطوة الأولى الإصلاحية، لأن الإصرار على توزيع الخسائر في خضم الإنهيار الإقتصادي، يجعل من الخسائر كبيرة جداً على الناتج المحلي، وتدفع اللبنانيين إلى المزيد من الخسائر المالية، بينما إعادة إنعاش الإقتصاد اللبناني قبل توزيع الخسائر، هو أمر ممكن، ولكن لا يتمّ البحث به لأن الحكومة تركّز فقط على توزيع الخسائر، وليس على إعادة تحريك عجلة الإنتاج في البلاد، مع العلم، أنه إذا تحرّك الإقتصاد ستتراجع الخسائر المالية، والأولوية كانت منذ البداية، تقتضي إعادة البلد إلى سكة النمو، وليس الإكتفاء بتوزيع الخسائر، ولكن هناك إصرار على أن تكون الحكومات “حكومات تفليسة” ولا يمكن منعها.
ويتوقع استمرار سعر صرف الدولار، مشيراً إلى أنه لولا تدخّل المصرف المركزي عبر منصة “صيرفة” وضخ الدولارات وفق التعميم 161، لكان سعر الدولار “ضرب أطنابه”، وبالتالي، فإن سعر الدولار اليوم في السوق الموازية، هو سعر إصطناعي، ومضبوط بسبب تدخل المركزي. لكنه يرى أن التطبيقات غير الشرعية التي تحدّد سعر الدولار في السوق السوداء، هي مرآة تعكس الحقيقة، لأن السعر ناتج عن الأزمة وعن انهيار الليرة، وتراجع الإقتصاد، فالتطبيقات لم ترفع الدولار من 150 ألف إلى 30000 ألف ليرة.
ورداً على سؤال عن الأمن الإجتماعي في لبنان وهل هو مهدّد اليوم، يؤكد مارديني، أن تثبيت أسعار السلع يؤدي إلى انقطاعها كما هي الحال بالنسبة للقمح المدعوم ، والذي سينقطع من الأسواق، والأمن الإجتماعي، يُصبح مهدداً في حال استمر سعر صرف الدولار بالإرتفاع، لأن السلع ستكون موجودة، ولكن لا قدرة للمواطن على شرائها، ولذلك، فالأولوية تكمن في معالجة ارتفاع سعر صرف الدولار من خلال مجلس النقد، وليس توزيع الخسائر في الوقت الراهن.
وعن مواجهة هذا التهديد، يشير مارديني، إلى أن التسعير بالدولار يحمي القطاعات الإقتصادية من الإفلاس والإنهيار ويمنع ارتفاع معدل البطالة، كما يحمي الموظفين فيها، ويؤمن لهم مداخيل بالدولار، كما هي الحال مع القطاع السياحي، لأن الدولرة تؤمن استمرارية المؤسّسات، ويجب تعميم تجربة “دَولرة” القطاع السياحي على سائر القطاعات للحؤول دون الإنهيار الإقتصادي الشامل وإفلاس المؤسسات وإقفالها وزيادة البطالة.
وعن التوقعات بمداخيل مرتفعة للموسم السياحي، أكد مارديني، أن إيرادات هذا القطاع، لن تعالج الأزمة طبعاً، ولكنها بمثابة البحصة التي تسند “الخابية”، وطبعاً هذا الأمر يتحقّق إذا كان الموسم السياحي جيداً، ولم يكن مُحبطاً.