قرَّرَ النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، ختم شركة KVA بالشمع الأحمر، وهي إحدى شركات مقدّمي الخدمات التي تتعاقد مع مؤسسة كهرباء لبنان منذ العام 2012. معلومات متضاربة حول الأسباب انتشرت سريعاً، وأفادت أن ختم الشركة جاء على خلفية “التلاعب بالعدادات”. وتم إثر ذلك “توقيف مديرة الشركة ومدير الجباية”. لكن مصادر قضائية أكّدت لـ”المدن” أن القرار “لم يكن فقط على خلفية التلاعب بالعدادات، وإنما لجملة من الأسباب تأتي تحت عنوان تقصير الشركة وعدم التزامها بتعهّداتها”. أما مسألة التوقيف، فلفتت المصادر النظر إلى أن إبراهيم “استمع إلى إفادة أحد المدراء ولم يوقفه”.
خطوة لافتة تتّخذ في ملف شركات مقدّمي الخدمات. لكن التجارب السابقة غير مشجّعة. إذ يصار سريعاً إلى استغلال التحرّك القضائي لفرض التسويات. فهل يكون الشمع الأحمر هذه المرّة أصلب، أم يفرز معادلة جديدة تذكِّر بما حصل في العام 2018 مع شركة دبّاس؟
عدم الالتزام بالتعهّدات
التهمة التي تواجهها شركة KVA، وهي شركة تابعة لشركة خطيب وعلمي، ليست جديدة. فعدم الإلتزام بالتعهّدات، وخصوصاً في ما يتعلّق بالعدادات الذكية ونوعية المعدّات المستعملة في الأشغال وعدم تسليم كهرباء لبنان أموال الجباية بشكل يومي.. وغير ذلك، هي سمة مشتركة بين شركات مقدّمي الخدمات الثلاث، أي KVA وشركة NEU التابعة لشركة دبّاس، وشركة BUS التابعة لشركة نزار يونس.
ومع أن التفتيش المركزي فَتَحَ بعض ملفات تلك الشركات ثم أقفلها (راجع المدن)، ومع أن شركة “نيدز” NEEDS الاستشارية أوصت منذ العام 2016 بعدم التمديد لمشروع مقدّمي الخدمات، إلا أن المشروع استمر، ومعه هدر المال العام. فقانون موازنة العام 2022 أقر للشركات حصة من ضمن سلفة بقيمة 54 مليون دولار “لتسديد مستحقات عقود التشغيل والصيانة ومصاريف قطاعات الإنتاج والتوزيع”، وحصّة الشركات تُقتَطَع من بوابة قطاع التوزيع. (راجع المدن).
في خضمّ ما تواجهه KVA، يُسَلَّط الضوء على العدّادات. فهي صلب مشروع مقدّمي الخدمات. إذ يفترض بالمشروع استبدال العدادات القديمة الموجودة لدى المواطنين، بعدادات ذكية إلكترونية يتم مراقبتها وتنظيم عملها بواسطةِ ما يشبه غرفة تحكّم إلكترونية مركزية تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، وتمنع هذه التكنولوجيا التلاعب بالعدادات، وتسهِّل قراءتها وتحديد أعطالها.. وما شابه. وهذا المشروع لم يكتمل رغم مرور نحو 11 سنة على إطلاقه. بل تحت ستاره، استفادت الكثير من المؤسسات والأفراد من التلاعب بالعدادات، بفعل تركيب بعضها وعدم ربطها بغرفة التحكّم التي لم تُنجَز هي الأخرى. كما أن بعض المعامل والشركات والأفراد النافذين، استفادوا من تأخير متعمَّد لتركيب العدادات، ودفع مبالغ “مقطوعة” بدل ذلك، والاستفادة من أن ما دفعوه هو أقل بكثير مما يفترض دفعه فيما لو تم تركيب العدادات، التي كان من المتوجّب إنهاء تركيبها بين العامين 2012 و2016. ناهيك بأن بعض العدادات جرى تعطيلها عمداً.
محاسبة فعلية؟
ما فعله القاضي إبراهيم هو نتيجة طبيعية في ملف يعشّش فيه الفساد وتصرّ وزارة الطاقة على السير به. وخطوة إبراهيم لا تكتمل سوى بفتح ملفات الشركات الأخرى لأن مسارها متلازم. والمؤشّرات في هذا السياق إيجابية، إذ تؤكّد المصادر أن “التحقيقات مستمرة. وحسب مجرياتها، قد يمتد الأمر إلى فتح ملفات الشركات الأخرى، وفق ما ستظهره التحقيقات”.
أمام هذا الملف الذي فتحه إبراهيم “تلقائياً، وبناءً على المعلومات التي ترد في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي”، احتمالان فقط. الأول هو السير بفتح الأوراق حتى النهاية والوصول إلى إنهاء مشروع مقدّمي الخدمات وتحميل الشركات مسؤولية التقصير والفشل. وهذا المسار يعني وقف استنزاف الدولارات التي تدفعها الخزينة للشركات على شكل سلف لا تعيدها مؤسسة الكهرباء لأنها ليست هي مَن يطلبها، بل وزارة الطاقة.
والاحتمال الثاني هو أن يُستَغَلّ قرار إبراهيم من قِبَل من يمسك بملفّ الشركات، ويتحوَّل الشمع الأحمر إلى رسالة مبطّنة لشركة KVA، تهدف لإرساء واقع جديد على غرار ما حصل مع شركة دبّاس. فبين منتصف 2015 ومنتصف 2016 اشتد الخناق على شركة NUE وفُتِحَت ملفاتها لاستغلال أزمتها المالية وعدم قدرتها على دفع مستحقات المتعهّدين الذين يعملون معها ضمن مشروع مقدّمي الخدمات. وسرعان ما طُوِيَت صفحتها التي تشبه صفحة KVA المفتوحة راهناً. وانتهى الأمر بـ”ترقية” شركة خدمات فرعية تعمل تحت كنف NEU وهي شركة “مراد” التي باتت منذ منتصف العام 2018، وبحكم الأمر الواقع، شركة تقديم خدمات رابعة.
تواجه شركة KVA مصيراً طبيعياً. ولا يكتمل المشهد إلاّ بالتوجّه نحو باقي الشركات وبتفنيد ملف مقدّمي الخدمات من ألفه إلى يائه، بدءاً من الشركات مروراً بمؤسسة كهرباء لبنان وصولاً إلى وزارة الطاقة. وكل ما عدا ذلك، ليس إلاّ إضاعة للوقت وللمال العام، ولا يهدف سوى لتثبيت مشروع مقدّمي الخدمات.