حالياً يطرح أصحاب العمل وقوى السلطة زيادة بدل النقل من 24 ألف ليرة إلى 65 ألفاً كحلّ بديل لتصحيح الأجور. فمنذ أول كانون الثاني 2019 ولغاية نهاية أيلول 2021، ارتفعت الأسعار بحسب أرقام إدارة الإحصاء المركزي بنسبة 473 في المئة من ضمنها ارتفاع في أسعار الغذاء بنسبة 1819 في المئة وكلفة النقل 1034 في المئة والألبسة والأحذية بنسبة 1529 في المئة والصحة 264 في المئة. ومع استمرار انهيار الليرة يتوقع أن تسجّل الأجور خسائر أكبر في قوتها الشرائية. على رغم ذلك، لجأ المسؤولون في السلطة إلى خدعة قديمة للتهرّب من تصحيح الأجور، وقرروا اختزال كل الغلاء بزيادة بدل النقل. وهذا البدل «بدعة» اخترعها ثنائي السلطة – أصحاب العمل للتهرّب من زيادة الأجور وما تولّده من تقديمات للأجراء في زيادة تعويضات نهاية خدمتهم، علماً بأنه لا توجد أي رقابة رسمية على المؤسّسات وأصحاب العمل الذين يمتنعون عن تسديد بدلات النقل للعمّال، ولا تستفيد منه الفئات التي تقع خارج مجال العمل المأجور. باختصار، هذا البدل هو قناة لمراكمة أرباح رأس المال على حساب العمال.
«فلنشرح الموضوع بشكل مُبسّط»، يقول نحّاس. حالياً، ينال العامل لقاء عمله:
– أجراً يدفعه صاحب العمل ويترتّب عليه اشتراكات لتأمين تعويض نهاية الخدمة، ويخضع لرقابة مفتّشي الضمان
– تقديمات اجتماعية (تعليم، طبابة…).
– تغطية المؤسسة بعض الأمور التي يفرضها العمل (زيّ عمل موحّد، تدريبات إضافية، نقل…).
يوضح نحّاس بأنّ كل ما هو مشمول بالبند الثالث «لا يخضع لكلّ القواعد التي ثُبّتت بالنضالات، وهو غير مُحصّن، بمعنى أنّه لا يخضع لأي رقابة». هو فقط عبارة عن «تغطية من قبل ربّ العمل لجزء من كلفة تترتّب على الأجير بحُكم عمله». ويشير إلى أنه عندما «يتحوّل بدل النقل إلى مبلغ مقطوع، يصبح هذا البدل بمثابة عملية احتيال موصوفة لطمس جزء من الأجر، وحرمانه من الحصانات والضمانات المرتبطة به».
يشرح الوزير السابق كيفية تقسيم الراتب: أولاً، أرباح رأس المال. ثانياً، أرباح العمل في الأجر. ثالثاً، ما تقتطعه الدولة من خلال الضرائب لتقديم خدمات عامة. ومع تراجع الناتج المحلي الإجمالي (قيمة جميع السلع والخدمات داخل الدولة خلال فترة زمنية محددة، ومؤشّر إلى نمو الاقتصاد) وارتفاع الأسعار، «لا تعود هناك كمية كافية من الإنتاج للحفاظ على نفس القدرة الشرائية للجميع». هنا يصبح تصحيح الأجور النقدية أمراً أساسياً ومطلوباً ومُمكناً، إنما يجب الأخذ في الاعتبار أيضاً أن هناك «عاطلين من العمل، ومؤسّسات صغيرة ومتوسطة شبه مفلسة وسواهم ممن أصابتهم الأزمة ولا يمكن تعويض قدرتهم الشرائية عبر التصحيح المطروح لا في الأجر النقدي ولا عبر بدل النقل». عندها يُصبح المدخل لتصحيح الأوضاع «في توفير الدولة لعدد من الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم، ونزع صفتها الاستهلاكية عنها حتى لا يتكبّد تكلفتها السكان».
اليوم، يُصرّ ممثلو الهيئات الاقتصادية في لجنة المؤشر على عدم زيادة الأجور أكان في القطاع العام أم الخاص بذريعة كاذبة عن أن الأزمة ناتجة من سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة. ويُجمّلون موقفهم من عدم إعطاء العمّال حقوقهم المادية بالقول إنّه «بغض النظر عن التسميات، يهمّنا المضمون، وهو تصحيح الحدّ الأدنى للأوضاع المعيشية من خلال مساعدات رفع بدلات التعليم ورفع بدل النقل. إضافة إلى مساعدات لسنة واحدة».
التوصّل إلى تحديد أجر شهري في العالم خلال القرن العشرين، كان نتيجة مرحلة طويلة من النضال الثوري في وجه التعسّف ضدّ الأجراء ومفهوم الأجر اليومي، فصار للعمال وضع قانوني. تستمر السلطة اللبنانية في محاولة حرمان العمّال من أبسط حقوقهم، بدل مادي يحصلون عليه لقاء مجهودهم. وفي الوقت نفسه، تحرمهم من حقهم في التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية التي تعكس ملامح النمو في بلد ما. فأي مُجتمع واقتصاد «تطمح» الدولة لبنائه في هذا الوضع؟
نجاح «رأس المال» في تحويل النقاش من واجب تصحيح الأجور إلى مُجرّد زيادة لبدل النقل (من المفترض أن يُصبح 65 ألف ليرة)، يترافق مع مخطّط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لـ«منع» أي زيادة أصلية على الراتب على الأقل خلال السنة المقبلة. فهو طرح على وزارة المال (منذ أيام الوزير السابق غازي وزني)، تقديم «مساعدة» للموظفين في القطاع العام لمدة عام، تكون عبارة عن إبرة مُخدّر لهم وبدلاً عن تعديل قانون سلسلة الرتب والرواتب ومنحهم زيادة مُحقّة للراتب. طرح النائب إبراهيم كنعان أن تُحدَّد قيمة المساعدة بحسب الإدارة أو السلك (على سبيل المثال أن ينال الجندي مبلغاً أعلى من الذي يناله الملازم)، فيما التوجّه الحالي لدى الحكومة لمساعدات مقطوعة. عَمِل سلامة على خط القطاع العام، فيما التقط أصحاب العمل في القطاع الخاص الفرصة لتسويق منطق «المَكرمة» أيضاً داخل لجنة المؤشّر في وزارة العمل.