بعيداً عن تفاصيل موجتَي تفجير أجهزة الـPagers وتلك اللاسلكية (Icom) في الأيام الثلاث الفائتة، ثمّة سؤال يتبادر إلى الأذهان، ومفاده: هل أدخل “الحزب” هذه المعدّات بأساليب شرعية أم بواسطة التهريب؟ بمعنى آخر هل خضعت هذه المعدّات لفحص أجهزة “السكانر” الموجودة في مرافق الدولة مثل المطار والمرفأ، أم أُدخلت كما اعتاد الحزب أن يدخل مستورداته من دون معرفة أجهزة الدولة بها؟
معلومات أمنيّة تفيد “أساس” بأنّ تلك الأجهزة “لم تمرّ عبر مسالك إدارات الدولة الشرعية”، وربّما هذا ما رفع من احتمالات عدم كشف المتفجّرات الموجودة بداخلها، وذلك بعدما حُسم الجدل حول النظريّتين (التردّد/متفجّرات)… وهو ما يعني أنّ التهريب الذي يتوسّله الحزب بحجّة الأمن ربّما أفاد الحزب من خلال توفير بعض الأموال بعيداً عن خزينة الدولة، لكنّ الخسارة المعنوية وغير المادّية كانت أكبر بكثير!
لكن بمعزل عن كلّ تلك التفاصيل، فإنّ الهلع من الأجهزة الإلكترونية، الذي أصاب المواطنين في الأيّام الثلاثة الفائتة، سوف يؤسّس لمرحلة جديدة من التعاطي مع كلّ ما هو مستورد من الخارج، خصوصاً الأدوات الكهربائية وتلك الذكية القابلة للوصل بالإنترنت، مثل الخوادم والهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون والتكييف… بعبارة أخرى، فإنّ كلّ ما يُعدّ ذكيّاً سوف يتحوّل إلى “مصدر خطر” محتمل عند كلّ اللبنانيين نتيجة الذعر الذي تركته تلك الحوادث.
طبعاً هذه “الكارثة”، التي حلّت على الحزب وبيئته، سوف تكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد اللبناني، وقد تبدأ تفاصيلها بالتكشّف في الأيام المقبلة، خصوصاً أنّ ما يستورده لبنان من تلك الأدوات قابل لأن يكون “حاضناً” للمتفجّرات، وعنواناً للاختراق الإسرائيلي.
تمثّل تلك الأدوات بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مديرية الجمارك قرابة 15% من حجم الاستيراد، أو ما يعادل 2.7 مليار دولار سنوياً، وهي بالمرتبة الثالثة للعربات والسيّارات والدرّاجات، والرابعة للآلات والأجهزة الكهربائية، والخامسة للأدوات الآليّة. وربّما تكون أكثر من ذلك بكثير نظراً لحجم التهريب المتنامي، وستكون أو يفترض أن تكون محطّ مراقبة ليس من الحزب فحسب من أجل حماية نفسه وحماية عناصره وقياداته، بل محطّ مراقبة وتدقيق من جميع أجهزة الدولة (هكذا يُفترض).. ولهذا تداعيات جمّة على الاقتصاد الوطني:
– ستؤثّر على سلاسل التوريد نتيجة الحرص الزائد من أجل التأكّد من أنّ كلّ تلك الإلكترونيات أو حتى التجهيزات المنزلية والمفروشات والأثاث “غير مفخّخة” أو ليست مزروعة بأجهزة تنصّت أو متفجّرات.
– سيتسبّب الأمر بنقصٍ في البضائع (Shortage) نتيجة التدقيق بمصدر البضائع والمعامل المصنّعة وشركات الشحن التي ستنقلها، والمسارات التي ستسلكها البواخر المحمّلة بتلك البضائع، وكذلك المحطّات التي ستتوقّف عندها تلك البواخر والطائرات.
– ستخلق اضطراباً في السوق اللبناني، بحيث يكون تجّار الإلكترونيات المقرّبون من بيئة الحزب من بين الجهات الأكثر تضرّراً، وذلك نتيجة مقاطعة منتجاتهم من باب الاطمئنان والحرص على خلوّها من أجهزة التنصّت أو المتفجّرات، وهذا سيخلق خللاً في الأسواق ويقلب الحركة التجارية لمصلحة تجّار البيئات البعيدة عن الحزب.
– سوف يتوخّى المواطنون اللبنانيون بكلّ مشاربهم، من الآن فصاعداً، الدقّة في شراء أيّ جهاز إلكتروني، ويحرصون على أنّ مصدره هو فعلاً الشركة المصنّعة وليست شركة أخرى “وسيطة”، وهذا سيرفع من الطلب على المعدّات النظامية التي دخلت بصورة شرعية لا لبس فيها.
– سوف يزيد الطلب على ورش الصيانة وعمّال الميكانيك والكهرباء والإلكترونيات بغية الكشف على الأجهزة والمعدّات الموجودة أصلاً في المنازل والشركات، خصوصاً مع تفشّي شائعات لم يتسنَّ التأكّد من صحّتها عن انفجارات طالت محوّلات (Inverters) الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم، وأجهزة “التتكيس” الخاصة بحضور الموظّفين إلى مكان عملهم… وهي معلومات ما زالت غامضة ولم تتحرّك السلطات اللبنانية من أجل تأكيدها أو نفيها.
– سوف يجبر هذا الواقع الحزب على العودة إلى حاضنة الدولة بدافع التعاون معها لأنّها الجهة الصالحة والمخوّلة التنسيق مع الأجهزة الأمنيّة في الخارج لملاحقة المتآمرين، خصوصاً بعد ثبوت ضلوع شركات وهمية عائدة للموساد الإسرائيلي عملت على بيع الحزب هذه المعدّات المفخّخة، وما قام به الحزب من تحقيقات لن يكون كافياً، لا تقنياً ولا حتى قانونياً… وهذا أمر ضروري لعودة هيبة الدولة.