يبدو مشروع مكافحة الفساد سهلاً في البلدان حيث مؤسسات الرقابة قوية وتعمل في ظل سيادة القانون. لكن في البلدان التي تعاني من ضعف المؤسسات بصفة عامة وعدم احترام او إنفاذ القانون، يتمكّن المفسد من الافلات من العقاب. ويشكّل الفساد عبئاً اقتصادياً كبيراً، يُترجم تراجعاً في النمو والاستثمار وارتفاع معدلات الفقر وانخفاض فعالية السياسة العامة وتقليل الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وانخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتالي يرتفع التهرّب الضريبي. وهذا ما أثبتته الدراسات، و ما ادّى الى سوء توزيع الموارد وتركيز الثروة في ايدي قلة قليلة من ابناء الوطن.أضف الى ذلك، انّ الفساد يساعد في اضعاف المؤسسات السياسية الديمقراطية.
وفي لبنان، وفي عهد رفع عنوان سياساته الكبيرة «محاربة الفساد»، لا بدّ من النظر الى بعض جوانب مكافحة الفساد وكيفية الوصول الى النتائج المرجوة. وقد يكون، وحسب الترتيب المنطقي، سرد الأمور الآتية:
الإرادة السياسية والقيادة
لا بدّ من القول هنا، إنه لا يمكن محاربة الفساد ما لم تتوفر الإرادة السياسية لضمان تلك الجهود وتعميمها وتنفيذها. ومن دون توفر تلك الإرادة السياسية على اعلى المستويات، يكاد يكون من المستحيل مكافحة الفساد مكافحة فعّالة.
كذلك، فانّ الإرادة السياسية لمكافحة الفساد شرط اساسي لنجاح الجهود الخاصة بمكافحته، وهذا يتطلب التزاماً من جميع الاطراف وعلى مختلف الصعد- تشير الدروس المستقاة من الخبرة الميدانية، ان العجز في الإرادة السياسية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفشل في محاربه الفساد- ومما لا يثير الشك، انّ العديد من البلدان النامية الى حد كبير، لم تتمكن من تطوير استجابة وطنية فعّالة لمشكلة الفساد، لا سيما وانّ سوء الإدارة من حيث الشفافية والمساءلة والمشاركة وسياده القانون محدودة.
وبناءً على ذلك، ثمة حاجة ماسة الى وجود قيادة قوية لتنفيذ السياسات الراقية الهادفة الى تعزيز الحكم الرشيد ومكافحه الفساد.
تعزيز المؤسسات
انّ التحدّي بالنسبة لصانعي السياسات في البلدان النامية هو في وضع سياسات من اجل تعزيز المؤسسات والعمل على تشجيع وتعميم السلوك الاخلاقي والحكم الرشيد.
اذ لا يمكن ان يُكافح الفساد والسيطرة عليه الّا عن طريق تعزيز المؤسسات ودعم سيادة القانون – هنالك ارتباط قوي بين الادراك الشعبي للفساد الحكومي والثقة في المؤسسات السياسية، لاسيما وانّ الفساد المنتظم يقود مصداقية المؤسسات الديمقراطية وينافي الحكم الرشيد – وهناك علاقة كبيرة بين الفساد وغياب احترام حقوق الانسان. والواقع انّ مؤسسات فعاّلة انشئت في العام 2012 مع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، وهو تحالف ضمّ اكثر من 60 دولة منظمة، دعت الى الحوار المتعلق بالسياسات وتبادل المعرفة واصلاح المؤسسات، من اجل تحقيق الاهداف الإنمائية و تعزيز الشفافية والاستجابة لمطالب المواطنين.
خطط مكافحة الفساد
هذه الخطط – الاستراتيجية، تنزع الى تقديم إطار وطني شامل مفصّل الاهداف الاستراتيجية لمعالجة الفساد، بما في ذلك عنصر التعزيز المؤسسي. وهذه الخطة يجب ان تشمل عناوين تضم عناصر تساهم في عملية مكافحة الفساد. واهم تلك العناوين:
1 – معلومات رئيسة لإرساء اسس الخطط الاستراتيجية.
2 – طرح المشكلة: استكشاف المشكلة ومناقشة الحالة وآثارها.
3 – تحديد الجهود المبذولة في سبيل مكافحة الفساد حاضراً وتقييم الجهود الماضية والحالية.
4 – تحديد المبادئ التي تقوم عليها الخطة الاستراتيجية بما في ذلك الرؤية المستقبلية.
5 – الخطوط العريضة، مع تحديد الاطر القانونية الملائمة، بما في ذلك المهام المرتبطة بالنتائج المتوخاة.
6 – تحديد خريطة طريق تُعرض على المسؤول عن تنسيق وادارة المهام والنتائج المتوخاة.
7 – آلية الرصد والتقييم من اجل تحديد النتائج والدروس المستفادة، لتحديد التقدّم وفعالية الجهود المبذولة لمكافحه الفساد.
وهنا تكمن المسؤولية العامة في الابلاغ عن الفساد وعدم اعتباره عملاً شرعياً، ومحاسبة الفاعلين بشكل صارم، يكون امثولة لغيرهم في الادارات العامة والخاصة. كذلك تبرز مسؤوليات المدارس والمجتمعات والقضاة، المسلحين بقوانين تحاسب فيها الفاسد بشكل جدّي وحازم، دون اي اعتبارات.
لذلك، تحديث القوانين يجب ان يتوافق بشكل يجعل من السهل البت بأمور الفساد واعلانها امام الرأي العام .
لا يمكن ان نكتفي بعناوين طنانة لمكافحة الفساد، انما يجب تدعيمها بمؤسسات وقوانين تجعل من السهل ضبط الامور واعادتها الى مسارها الصحيح. وكثير من الدول نجحت في ذلك، لاسيما سنغافورة، التي تُعتبر مثالاً يُحتذى بين الدول، ومن الاوائل في معيار مكافحة الفساد. وكذلك هونغ كونغ مع الـ ICAC Independent commission against corruption معتمده في ذلك على انفاذ القانون والوقاية وتعليم المجتمع.
ختاماً، تبدو الامور وفي خضم معركتنا ضد الفساد غير واضحة المعالم تماماً. ومحاسبة المسؤولين ضرورية ورفع الحصانة عنهم لا بدّ منه. كما من الضرورة إضافتها الى مناهج التعليم، كون المجتمع مسؤول الى حد كبير في هذا المجال.
وما يدور في لبنان حالياً هو جزء لا يتجزأ من عملية أكبر بكثير. وعلى المسؤولين اتباع خطة العمل هذه بحذافيرها. إذ لا يمكن اجتزاء بنودها وخطواتها تبعاً لمزاجنا. فنكون خطونا خطوات عشوائية لن توصلنا الى الهدف المنشود.