لم تقتصر خسائر العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني عقب عملية “طوفان الأقصى” على سقوط الضحايا من المقاومين والمدنيين والصحافيين، ولا على تدمير الممتلكات من المنازل والمحال والسيارات، بل تمتدّ إلى القطاع الزراعي الذي يعدّ موارد رزق المزارعين.
وتؤكد أوساط زراعية لـ”نداء الوطن” أنّ “ما زاد في الطين بلّة، ثلاثة أمور: الأمر الأول، أن إسرائيل استهدفت القطاع الزراعي مباشرة بواسطة قذائف فوسفورية من أجل افتعال الحرائق وإتلافها من جهة والحاق الضرر بها لسنوات طويلة من جهة أخرى، ناهيك عن القضاء على الغطاء الحرجي الذي قد تستفيد منه المقاومة لناحية التمويه خلال عملية إطلاق الصواريخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية الحدودية.
والثاني: إن الأمر لم يقتصر على فترة محدّدة خلال فترة العدوان، بل بشكل شبه يومي وعمداً وتوسّع عن قصد على كامل المنطقة ليشمل نحو 38 بلدة حدودية ممتدّة على 79 كيلومتراً، حيث حُرم المزارعون من قطف مواسمهم وعلى رأسها الزيتون الذي يشكّل مصدر دخل، فضلاً عن أنهم لم يتمكّنوا من تحضير أراضيهم للمواسم المقبلة من حبوب وخضار وتبغ، ما يضاعف الخسائر.
والثالث: عدم شمول التعويضات المالية هذا القطاع، بعدما لم تضع قرارات الحكومات المتعاقبة أي آلية لكيفية احتساب الخسائر الزراعية التي سيتمّ التعويض على أساسها، بخلاف التعويض عن الأرواح والوحدات السكنية، إضافة إلى التأخّر بإجراء المسح والإحصاءات الرسمية، حيث يمنع التصعيد العسكري المستمر على الجبهة الجنوبية المختّصين من الوصول إليها سريعاً.
حتى اليوم، لا توجد أرقام رسمية عن الأضرار التي لحقت بالقطاع والأشجار، البعض يقدّر بأنها تجاوزت الـ450 ألف شجرة وهي في ازدياد مع طول أمد العدوان، وفق رئيس تجمع المزارعين في الجنوب محمد الحسيني الذي يقول لـ”نداء الوطن”: “من المبكر الحديث عن إحصاءات رسمية أو دقيقة لحجم الخسائر الزراعية بانتظار وقف العدوان الإسرائيلي، ولكن من خلال المواكبة الميدانية والمتابعة المستمرّة يمكن أن نقدّر العدد بأنه ما بين 400 – 500 ألف شجرة، وهو ما يعتبر كارثة حقيقية للقطاع الذي يعتاش الكثير من أبناء الجنوب من مدخوله”.
ولم يخف الحسيني أن استخدام إسرائيل للقذائف الفوسفورية “فاقم من الخسائر، خاصة أنها استهدفت بساتين الحمضيات والفاكهة والخضار والزيتون وحقول التبغ والأشجار المثمرة على اختلافها، ما قضى على الموسم الزراعي”، مشيراً إلى أنّ “الدولة لم تعوّض في السابق عن الخسائر الزراعية، وربّما تفعل هذه المرة في إطار خطة لدعم المزارعين على اعتبار أنّ التعويض مهما بلغ، كيف سيعوّض عن شجرة زيتون تجاوزت الخمسين عاماً أو أخرى مثمرة زرعت منذ سنوات طويلة”.
ويؤكد المزارعون في البلدات الحدودية أن خسائرهم لا تقل عن الأضرار في الممتلكات، يطالبون بشمولهم بأي تعويض، ويؤكد المزارع نادر أبو ساري من بلدة الضهيرة أنّ خسائره الزراعية تفوق الـ 7 آلاف دولار أميركي في الموسم، ويشرح لـ”نداء الوطن” إنه حُرم من الوصول إلى أرضه بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، فخسر موسم القمح والعدس والفول والتبغ معاً. ويشير إلى أن خسائره لم تقتصر على الموسم الزراعي، ويضيف: “لدي بقرة لم أعد استطيع بيع حليبها بسبب نزوح الناس، كنت يومياً أحصل منها على 4 “دلوات” وأبيعها بنحو مليون ومئتي ألف ليرة لبنانية، ناهيك عن أنه لدي “تراكتور” أحرث فيه الأراضي لأبناء البلدة والجوار، خسرت يومياً 150 دولاراً أميركياً، وأطالب الدولة بالتعويض علينا لتعزيز صمودنا وبقائنا”.