قوضت خسائر شركات النفط أنشطة الاكتشاف والتنقيب حيث أجبر انهيار أسعار الخام هذه الشركات على وقف أنشطتها المعهودة فيما اتجه عدد منها نحو الطاقة المتجددة لتلافي تقلبات الأسعار ومواكبة تحديات المناخ العالمية.
أسفر وباء كوفيد – 19 وانخفاض أسعار النفط الذي تسبب به عن خسائر فادحة لدى شركات النفط العملاقة التي تجد نفسها مرغمة على الحدّ من أنشطتها في الاكتشاف والتنقيب بشكل كبير.
ومع التحول إلى طاقة صديقة للبيئة أكثر والذي من شأنه أن يغرق الطلب على الذهب الأسود بشكل كبير على المدى الطويل، بات مستقبل قطاع بأكمله قاتما.
ويلخص المحلل من “بي.في.أم” ستيفن برينوك الأمر بالقول إن “استكشاف النفط تلقى ضربة قوية هذا العام مع انهيار الطلب وأسعار النفط بسبب الوباء العالمي”.
في بحر الشمال، تراجعت أنشطة التنقيب 70 في المئة في المملكة المتحدة، و30 في المئة في النرويج، بالمقارنة مع الخطط التي كانت مقررة قبل الأزمة، وفق دراسة لمركز “وستوود” حول الطاقة نشرت في أواخر سبتمبر.
وخفض ت شركة “إكسون موبيل” الأميركية بنسبة 30 في المئة أي ما يساوي 10 مليارات دولار على الأقل استثماراتها ولاسيما في مجال استكشاف المواد النفطية والتنقيب عنها. كما خفضت أيضا الإيطالية “إيني” والبريطانية “بي.بي” والنروجية “إيكينور” والسعودية “أرامكو” أيضا من أنشطتها.
وتدفع الشركات المتعاملة مع الشركات العملاقة للطاقة أيضا الثمن غاليا، كما مجموعة “سي.جي.جي” الفرنسية التي تعمل في مجال تحليل موارد باطن الأرض، والتي تتوقع هذا العام تراجعا بنسبة 40 في المئة برقم أعمالها.
على الجانب الآخر من الأطلسي، تشهد أكثر من 30 شركة استكشاف وإنتاج حال إفلاس في الولايات المتحدة منذ مطلع العام بحسب مكتب “هاينز أند بون” للمحاماة في تكساس.
وإذا ما بقي سعر خام غرب تكساس الوسيط عالقا عند 40 دولارا للبرميل لمدة طويلة، فإن 150 شركة أخرى قد تنضم إليها بحلول عام 2020، وفق تقديرات محللين من “ريستاد إينيرجي”.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لبيارن شيلدروب المحلل لدى “سيب” قوله إن “الأسواق لم تعد تعلق آمالا على مستقبل النفط”، مضيفا “من دون نمو محتمل في استكشاف الذهب الأسود، ماذا يمكن للقطاع أن يفعل”. وأجاب على التساؤل قائلا “التركيز على الربحية مع إنفاق أقل”.
وتبدو رافاييلا هاين من “جي.بي.سي إينيرجي” أكثر تفاؤلا، فهي تتوقع أنه “في خارج الولايات المتحدة، حيث تستغرق الأمور وقتا أطول، سوف تستأنف برامج التنقيب في كافة مناطق التزويد الكبرى وستقترب من مستويات ما قبل الأزمة العالم المقبل”.
وأكدت “في الماضي، رأينا أن التخفيضات الهائلة في الإنفاقات في ميزانيات الشركات الكبرى لم تؤثر فعلا على إنتاجها المستقبلي، لأن البحث عن حقول جديدة هو، بدرجة أقل، مسألة نجاة”.
ولكن مكافحة الاحترار المناخي يغير الصورة، إذ تعتبر الشركة البريطانية “بي.بي” وشركات أخرى أن طلب النفط في العالم قد بلغ ذروته بالفعل وهو لن يكف عن الانحدار من الآن فصاعدا.
بحسب ويستوود، ورغم التغييرات التي اتخذت نحو إنتاج طاقات صديقة للبيئة أكثر، فإن خطط طريقة الشركات الكبرى تظهر أن الشهية نحو الاستشكاف لا تزال قائمة، لكنها تصطدم بانتعاش أسعار الخام.
وتراجعت أسعار البرنت وخام غرب تكساس الوسيط بشكل غير مسبوق في مارس وأبريل الماضيين، وتبدو عالقة عند نحو 40 دولارا للبرميل، وهو سعر منخفض جدا بشكل لا يتيح للعديد من الفاعلين في القطاع، ولاسيما الأميركيين، تحقيق معدل عائد متكافئ.
وتبرز في المقابل، مشاريع استكشاف صاعدة كما في المحيط المتجمد الشمالي والذي يعتقد أنه يحتوي على 13 في المئة من احتياطات النفط و30 في المئة من احتياطات الغاز الطبيعي غير المكتشفة في العالم، وهي مهمة باتت أكثر سهولة مع تراجع الغطاء الجليدي بشكل متسارع. وأعلنت شركة “غازبروم نيفت” الروسية و”شل” الإنجليزية الأيرلندية، عن تحالفهما في يوليو الماضي للاستكشاف والتنقيب في شبه الجزيرة القطبية.
من جهتها، وافقت حكومة دونالد ترامب على مشروع في منتصف أغسطس، يفتح المجال أمام التنقيب عن مشتقات النفط في أكبر منطقة محمية طبيعية في الولايات المتحدة في ألاسكا.
ويشمل مشروع التنقيب منطقة ساحلية بمساحة نحو 70 ألف كلم مربع، أي ما يساوي مساحة أيرلندا، بمحاذاة المحيط المتجمد الشمالي. وترى هاين أن تلك المشاريع “ليست مستدامة من الناحية الاقتصادية، والأزمة الحالية تجعل تحقيقها أكثر صعوبة”، رغم أنه “يمكن للإرادة السياسية أن تتفوق على هذه الاعتبارات”.
وكافة هذه الأسباب والتحولات العالمية سرعت في توجيه كبرى شركات النفط نحو الطاقة المتجددة حيث تضغط المتغيرات المناخية وصدمات أسعار الخام على الشركات لتغيير بوصلتها للحد من انبعاث الكربون ومواكبة التزود بالكهرباء.
وفي هذا السياق قالت توتال الفرنسية إنها ستزيد من حجم استثماراتها السنوية في الطاقة المتجددة والكهرباء بـ50 في المئة بالتزامن مع جهود للحد من اعتمادها على النفط، محاكية بذلك منافسيها الأوروبيين في مسعى إلى تصبح منتجا رئيسيا للكهرباء منخفضة الكربون.
ومن جهتها قالت رويال داتش شل إنها تسعى إلى خفض تكاليف إنتاج النفط والغاز بما يصل إلى 40 في المئة في إطار برنامج ضخم لتوفير السيولة كي تتمكن من تحديث أنشطتها والتركيز بدرجة أكبر على الطاقة المتجددة وأسواق الكهرباء.
وتوقعت شركة بي.بي للنفط والغاز في سبتمبر الماضي انخفاض استهلاك الوقود الأحفوري لأول مرة في التاريخ المعاصر بعد أن عززت السياسات المناخية الطاقة المتجددة في الوقت الذي ستترك فيه جائحة فايروس كورونا تأثيرا دائما على الطلب العالمي على الطاقة.