خطاب الكراهية يكبد الاقتصاد اللبناني 3.4 مليار دولار سنوياً

فقدت إيمان درويش وظيفتها منذ أكثر من عام تقريباً، بعد شن طليقها حملة ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة مشاكل مالية. لم تتمكن درويش من الحصول على أي وظيفة حتى الآن. تقول لـ”المدن”: في المناطق البعيدة عن العاصمة، من الصعب جداً الحصول على أي فرصة عمل، في حال تم التشهير بك، لأن العلاقات العائلية تطغى على العمل المؤسساتي في القرى والضيع اللبنانية”.

لاتزال تعاني درويش من تأثير خطاب الكراهية ليس فقط اجتماعياً، بل أيضاً اقتصادياً. فقد كانت تتقاضى نحو 4 ملايين ليرة تساعد من خلالها والدتها. اليوم، أنفقت جميع مدخراتها، وتنتظر أخواتها لمساعدتها على تأمين الاحتياجات الأساسية.

لا يوجد في القانون اللبناني أي نصوص تعاقب على نشر خطاب الكراهية، إلا إذا اعتُبر هذا الخطاب يأتي في إطار التحريض على جريمة. وهو ما يسمح لفئات كبيرة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً، ببث هذا النوع من الخطابات ضد الفئات الأكثر ضعفاً، كالنساء أو اللاجئين واللاجئات، وغيرهم.

تؤكد أستاذة العلوم السياسية والقانون في جامعة القديس يوسف، ريتا شمالي، غياب أي تشريعات ضد خطاب الكراهية وثقافة التمييز. وتقول لـ”المدن”: “تغيب التشريعات الخاصة بخطاب الكراهية، سواء أكان الخطاب موجهاً ضد الرجال أو النساء”. ووفق الشمالي، عند تعرض النساء لخطاب الكراهية، تلجأ إلى القانون الجزائي، وعبر القانون الصادر ضد التحرش الصادر في السابع من تموز 2021.

ووفق الشمالي، هناك نقص في التشريعات التي تحمي الشعب اللبناني من تأثير خطاب الكراهية. وقد يكون السبب في ذلك الأوضاع السياسية القائمة، خصوصاً وأن هناك مشاريع قوانين ما زالت عالقة بمجلس النواب لحماية المرأة، ولم يتم التطرق إليها.

تبعات اقتصادية

حسب دراسة أجراها صندوق النقد الدولي، في العام 2019، وجد أن تغيب المرأة عن سوق العمل، يكبد الناتج المحلي الإجمالي خسائر تتراوح ما بين 10 و60 في المئة. في الحالة اللبنانية، فإن الأرقام تبدو مؤثرة وموجعة أكثر، خصوصاً إن تغيب المرأة عن سوق العمل قد يكون ناتجاً عن أسباب اجتماعية وسياسية.

تقدر شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة الصادرة في العام 2022، عدد سكان لبنان بـ5.59 مليون نسمة، وتشكل النساء نحو 51.5 في المئة من إجمالي التركيبة الاجتماعية، أي ما يقارب من 2.850 نسمة. فيما تشير الأرقام الصادرة عن البنك الدولي عام 2020، إلى أن عدد النساء في سوق العمل يصل إلى 571 ألف امرأة في لبنان. ولو سلمنا جدلاً، بأن 20 في المئة من هؤلاء السيدات فقدن عملهن خلال العامين السابقين بسبب خطاب الكراهية الناتج عن الأزمة الاقتصادية، فإن الناتج المحلي البالغ 17 مليار دولار، وفق تقديرات سابقة للبنك الدولي، يفقد نحو 3.4 مليار دولار.

الخطاب السياسي

جزء كبير من الأزمة الحاصلة في لبنان، يعود سببه إلى النعرات الطائفية والخطاب السياسي، وهو ما انعكس سلباً على اللبنانيين، وتحديداً في سوق العمل. يعاني الجميع سواء النساء أو الرجال من تأجيج الخطابات الطائفية. إذ أن الكثير من المؤسسات في لبنان، تفضل توظيف أبناء البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها رب المؤسسة أو الشركة.

لايوجد في لبنان أي إحصاءات تشير إلى معايير التوظيف المتبعة في المؤسسات، وتحديداً في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتكون عادة معايير التوظيف مرتبطة بـ”المحسوبية” والعلاقات الشخصية. وهو ما يؤكده حسن حوماني، الذي لم يتمكن من الحصول على وظيفة بسبب خط عائلته السياسي. فعلى الرغم من أنه لا يؤيد أي من السياسيين، لكن فكرة “الصورة النمطية” عن العائلات وخطها السياسي قد تشكل عائقاً للوصول إلى سوق العمل.

التمييز في السوق العمل ليس محصوراً ضمن طائفة أو مذهب معين، بل يتعرض الكثير من اللبنانيين باختلاف طوائفهم إلى التمييز في سوق العمل، وهو أمر له نتائج اقتصادية.

تقول الخبيرة الاقتصادية ليال منصور لـ”المدن”: “لا يوجد إحصائيات أو دراسات واضحة حول تأثير غياب المرأة عن سوق العمل، لأي سبب سواء أكان خطاب الكراهية والتمييز، أو لأسباب أخرى اقتصادية واجتماعية. لكن من المؤكد وفي الحالة اللبنانية، أن تغيّب النساء عن سوق العمل، يؤثر سلباً، لأن المرأة اللبنانية دخلت في ميادين العمل كافة. وبالتالي، فإن تغيبها أثر سلباً على الاقتصاد”. تضيف “عادة في الأزمات، يتم الاعتماد على عمل الرجل بشكل أكبر، ذلك على اعتبار أنه المعين الرئيسي للعائلات، ولكن في الحالة اللبنانية، فإن كلا الطرفين تأثرا، تحديداً بسبب عمليات الاصطفاف السياسي والمناخ العام”.

..و”الأغراب” لهم نصيبهم

لطالما شكلت كلمة “نحن” و”هم” هاجساً لدى ليلى حسن -سورية الجنسية من أم لبنانية- من تبعات هذه الكلمات. عاشت وترعرعت في لبنان، لكنها لا تحمل أي حق من حقوق العمل. مع بداية الأزمة الاقتصادية، باتت فرصة الحصول على عمل أصعب بكثير. تتهم حسن السياسيين في لبنان الذين أججوا خطاب الكراهية الذي هيمن على اعتبارات كثيرة منها التوظيف والعمل. ولذا، باتت فرصها شبه معدومة. تعمل حسن في قطاع الإعلام الرقمي، وتوقفت عن العمل في العام 2021، وحتى الآن هي عاجزة عن الحصول عن وظيفة براتب ثابت. تشير إلى أن السماح للفئات الأكثر ضعفاً بممارسة الأعمال في لبنان، بعيداً عن الحملات التي تقام ضدهم، تساعد على الأقل في تأمين الحماية الاجتماعية لعدد كبير من العائلات اللبنانية.

مصدرالمدن - بلقيس عبد الرضا
المادة السابقةالمصارف تركب الموجة بحملة مدفوعة: اللاجئون سبب خسائرنا!
المقالة القادمةهل يعاد النظر بتسعيرة ربطة الخبز؟