1. تستند خطة الحكومة المعدلة الصادرة في 9-9- 2022 على ما يسمى «ركائز» الخطة ومن اهمها المادة الاولى التي تنص على فك الترابط بين ميزانيات المصارف، وميزانيات مصرف لبنان، وحسابات الحكومة. ما ترمي اليه هو في الواقع شطب ودائع المصارف لدى مصرف لبنان مع شطب دين الدولة لديه. وفيما يخص ودائع المصارف تهدف الخطة الى الحفاظ فقط لغاية 100 الف دولار في كل حساب موحد. وما تبقى منها (84% من اجمالي الودائع بالدولار) لدى المصارف ستشطب من حسابات الدولار وتحول الى الليرة على اسعار اقل من اسعار السوق الحرة، وتُحول الى صندوق لاسترداد الودائع. اي ان خطة الدولة تنوي تحويل معظم الودائع الى الصندوق المذكور الذي يُفترض انه سيرد الودائع من ايرادات اصول الدولة التي تتجاوز معايير محددة في دول مشابهة. في الواقع ان مبدأ انشاء صندوق لاسترداد الودائع قد لا يكون مبدأ دستورياً وقانونياً، فلا يحق لأحد ان يشطب الودائع من المصارف ويبرر ذلك بانشاء صندوق لاستردادها لاحقاً بعد عقود من الزمن بقيمتها الاسمية، مما يعني شطب معظمها.
2. أبدت الحكومة للمرة الاولى رغبتها في خصخصة ادارة مؤسسات القطاع العام التي ستلحق بصندوق استرداد الودائع، ولكن بدون تحديد ما اذا كان الاسلوب الذي سيتبع سيلتزم بافضل المعايير الدولية لكي توظف افضل المؤسسات التي سيُركن لها ادارة شركات القطاع العام. ما تنويه الحكومة هو انشاء مؤسسة لادارة اصولها لكي تعوض من خلال ايراداتها المستقبلية للودائع التي تنوي شطبها. مع العلم ان ادارة اصول مؤسسات القطاع العام ستبقى برعاية الدولة بالرغم من خصخصة اداراتها. كما لم توضح الخطة الاسلوب الذي تنوي الحكومة اتباعه لتوزيع الايرادات الفائضة من الصندوق على المستحقين. وقدرت الحكومة ان عائدات الصندوق ستستغرق ثلاثة اجيال للتعويض عن الودائع المحولة الى الليرة والمشطوبة من المصارف. ان الفترة المقدرة لاسترجاع الودائع ستقلص القيمة الحالية للخسارات بعدة اضعاف، وسيصبح تعويض الودائع وهمي للمواطن.
ثغرات الخطة
1. قدرت الحكومة ان الودائع بالدولار لغاية 100 الف دولار التي سيحتفظ بها ستوازي 14 ملياراً من اصل 99 ملياراً وستسحب خلال 7 سنوات. وما تبقى سيحول الى صندوق استرداد الودائع. ان الصندوق المقترح لا يفي بالغرض المعلن عنه. في الواقع ان الودائع المتبقية ربطت بحقوق سيصدرها مصرف لبنان للتعويض عنها. كما ان هذه الحقوق هي اصول وهمية ولا تتمتع بقيم حقيقية ولا ترتبط بضمانات حقيقية.
2. لنضع شرعية شطب الودائع جانباً، يبقى ان خطة الحكومة ستؤدي الى الخسارة الفعلية لادخارات المواطنين لدى المصارف وستساهم في فقدان الثقة بالقطاع المصرفي. ولا بد من ان يكون لذلك ارتداد حاد وسلبي على الاقتصاد والوضع المالي. ومن غير المستبعد ايضاً ان نشهد انتفاضات اجتماعية، و مواجهات قضائية بين المودعين (المقيمين وغير المقيمين) والقطاع المالي والحكومة.
الخطة البديلة
لذا نقترح خطة بديلة لمعالجة ازمة الودائع بطريقة اخرى تعيد الثقة للقطاع المصرفي والاقتصاد الوطني. ان الطرح ادناه هو من اهم اولويات الاصلاحات ويجب ان يكون من ضمن خطة متكاملة اقتصادية وهيكلية تتبعها الحكومة في عدة قطاعات كالمالية العامة، القطاع المصرفي ومؤسسات القطاع العام، والقضاء وغيرها. ان السياسات التي اتبعت لحينه ادت الى تهالك الاقتصاد، والى تكلفة عالية على المواطن وخسارات كبيرة في الدخل ناتجة عن شطب مستمر للودائع من خلال اسعار صرف مصطنعة وقيود استنسابية مفروضة على السحب والانخفاض الحاد والمستمر في سعر صرف العملة الوطنية.
وتشمل الخطة البديلة ما يلي:
1. كبداية، يجب عدم اعتبار التزامات مصرف لبنان وكذلك التزامات الحكومة كخسارات، وبالمقابل اعتبار التزامات المصارف للمودعين كخسارات ايضأ. المطلوب هو تخويل كلٍ من مصرف لبنان والحكومة القدرة على خدمة التزاماتهما للدائنين، بدلا من شطب هذه الالتزامات وذلك من خلال توفير السيولة اللازمة واسترداد الثقة بالقطاع المالي.
2. اعلان الالتزام بان الودائع وحقوق المودعين محفوظة كلياً، وان اية خسارة ناتجة عن عملية تصفيات مصرفية يجب ان تتكفل بها الدولة.
3. وبالتوازي، من الضروري البدء بتحرير وتوحيد سعر الصرف لكي يسود سعر صرف موحد في سوق القطع، مع استمرارية دعم السلع الأساسية (خبز، ادوية ضرورية الخ) ضمن خطة دعم موجهة. ان اصلاح وتحرير سوق القطع يعيد الثقة والسيولة للسوق المالي مما يساهم في استقرار سعر الصرف. عندئذٍ سيقتصر دور مصرف لبنان على التدخل في سوق القطع لتفادي اية تقلبات حادة ذات تاثيرات سلبية استثنائية.
4. ان سعر الصرف المحرر سيخَول مصرف لبنان اتباع سياسات نقدية تستهدف تحقيق النمو وثبات الاسعار. كما انه يساهم في تحسين الايرادات الضريبية من خلال اتباع تقييم سليم للنظام الضريبي، مما سيساهم في تحقيق توازن للمالية العامة. ان خفض العجز المالي يعتبر ضرورياً لتحسين ميزان المدفوعات وتحقيق الاستقرار في سوق العملات الاجنبية.
5. كما يجب ان يقترن تحرير سعر الصرف باعادة جدولة جميع الأصول والالتزامات المالية الخاصة والعامة المقيمة بالليرة والعملات الاجنبية لفترات زمنية تتراوح بين قصيرة الاجل، متوسطة الاجل، وطويلة الاجل على ان لا تتعدى الخمس سنوات للاخيرة. وهذا الاجراء سيُخول السلطات التخطيط لرفع القيود الممارسة على الودائع منذ تشرين الاول 2019. ومن الممكن اتباع اسلوب اعادة جدولة لا يضني القطاع المصرفي حين تبنّي التحرير الكامل لسعر الصرف. كما يسنح المدة اللازمة لتعافي كل من القطاع المصرفي وغيره من القطاعات الاقتصادية.
6. من الضروري ايضا اصلاح مؤسسات القطاع العام بدءاً بإعادة تاهيل اداراتها بالاستناد الى معايير عالمية سواء أكان ذلك من خلال اشراك القطاع الخاص في اداراتها، او اذا اقتضى الأمر خصخصتها بالاستناد الى معايير الخصخصة العالمية. وبعد تأهيلها لا بد من تحويلها الى شركات مساهمة تطرح في بورصة بيروت لكي تصبح متاحة للاستثمار لجميع اللبنانيين.
سيوفر هذا الاصلاح مدخولاً هاماً للدولة داعماً للمالية العامة: اولاً من خلال طرح اسهمها في بورصة بيروت وثانياً من الايرادات الضريبية من ارباح هذه الشركات. إن الاصلاح المقترح سيُخول مؤسسات القطاع العام تقديم خدمات فعالة للمواطن اللبناني، وستوفر فرصاً جديدة للمستثمر اضافة الى الاعتماد على المصارف كوسيلة للادخار.