لأن عامل الوقت لم يَعُد لصالح لبنان البتّة، سجّل مسؤولو صندوق النقد الدولي خلال “اجتماعات الربيع” الأخيرة في واشنطن، تحفّظهم على تأخّر الحكومة ومجلس النواب حتى اللحظة، في إقرار قوانين طال انتظارها وطالما نادت بها إدارة الصندوق للإسراع في وضعها على سكّة التنفيذ لما لها من انعكسات إيجابية على عملية النهوض الاقتصادي والدعم المالي الموعود من الأسرة الدولية.
ومن أبرز هذه القوانين المطالَب بها بإلحاح، الـ”كابيتال كونترول”، “إعادة هيكلة المصارف“، “خطة النهوض الاقتصادي” …إلخ، وكلها باتت تشكّل حاجة ملحّة وضرورية للمصارف وللقطاعَين الاقتصادي والنقدي، الأمر الذي يحتّم إسراع مجلس النواب كما الحكومة في إقرار تلك القوانين بجديّة ومسؤولية حيث لا مكان بعد اليوم للتلكؤ واللامبالاة ولا حتى للشعبوية التي لم تعد جائزة في حمأة الظروف الدقيقة على أكثر من جبهة.
في غضون ذلك، شكّلت قضية الودائع، بحسب المعلومات الصحافية المتداولة، أحد المحاور الأساسية في اجتماع النائب ابراهيم كنعان مع بعثة الصندوق برئاسة أرنستو راميريز، واجتماعه مع المدير التنفيذي للبنك الدولي عبد العزيز الملا، لا سيما عدم تجاهل هذه الودائع باعتبارها التزامات من المفترض معالجتها لا شطبها… وكان هناك إقرار من الجانبين بضرورة إحداث خرق في جدار المراوحة القائمة وضرورة العمل على تحديد المسؤوليات بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف وفق أرقام صحيحة يتم استقاؤها من تدقيق دولي حيادي في موجودات الدولة والمصارف وإيراداتها في لبنان والخارج، ليصار في ضوئه إلى تحديد الآليات العملية التي تمهّد لتأمين الجزء الأول من المبالغ المطلوب استردادها من جهة، وتغذية صندوق استرداد الودائع على مدى فترة زمنية محددة من جهة ثانية”.
وتعليقاً على هذه المداولات، يشير مصدر مالي لـ”المركزية”، إلى أنه “بعد مرور خمس سنوات على أزمة الودائع، أصبح من الضروري جداً معالجتها على مدى السنوات المقبلة”، ليذكّر في السياق، أن “حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري نفسه اعترض على خطة الحكومة “لإعادة انتظام العمل المصرفي” لاعتبارها تقضي على الودائع والمصارف في آن معاً. من هنا من الأهمية بمكان التركيز على تفادي ضرب القطاع المصرفي ليعود إلى لعب دوره في إنهاض الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد.
ونظراً إلى دقة الظروف وصعوبة الوضع الاقتصادي المتأزّم، “بات من الضرورة الفصل السريع والتام بين عمل المصارف ووضعيّتها من جهة، ومسألة إعادة الودائع من جهةٍ أخرى، إذ تكون المصارف إلى حين انطلاق تطبيق الحل، قد استعادت نشاطها الطبيعي لتعبيد الطريق أمام تحسين الوضع النقدي في البلاد وتسليف القطاع الخاص وإعادة دفع عجلة الدورة الاقتصادية، وتكون بالتالي عالجت الوضع الاقتصادي والمالي في أسرع وقت ممكن. إذ لا يمكن أن ندع المصارف تنتظر عشر سنوات مقبلة لمعالجة أزمة الودائع من جذورها” وفق المصدر.
وعن ماهية الحل السريع المُشار إليه، يكشف المصدر إلى “أن الحل الآني يقضي بالمباشرة بتسديد الودائع الصغيرة التي تصل إلى 100 ألف دولار وما دون، بصورة فوريّة من الأموال المتوفرة حالياً، أما الودائع التي تتطلب التقسيط على مدى سنوات طويلة تمتد على أربع وعشر سنوات، فيستلزم تسديدها انتظار حل آخر طويل الأمد”.
وعن مصادر التسديد الفوري، يكشف عن “وجود ما بين 18 و20 مليار دولار، موزَّعة بين الاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان البالغة نحو 8 مليارات دولار، ونحو 3 مليارات دولار موجودة في المصارف، إضافةً إلى محفظتها بالدولار الأميركي البالغة نحو 5 مليارات دولار… وفي ضوء هذه الأرقام، هناك إمكانية كبيرة لتسديد الودائع ذات سقف الـ100 ألف دولار فوراً من دون تردّد أو انتظار”.
في خلاصة الوقائع، بات من الملحّ إعادة الوضع المصرفي إلى طبيعته في أسرع وقت، لأن البلاد تمرّ في ظروف دقيقة وصعبة تحتّم الإسراع في معالجة أزمة الودائع فوراً… والبداية من الودائع الصغيرة.