خطة للتعافي… أم خطة لارتكاب المزيد من الانحرافات المالية؟

تناقل عدد من وسائل الاعلام خبراً مصدره وكالة Reuters عن مسودة خطة تعافٍ مالي افتراضية عرضها اعضاء الوفد اللبناني على فريق صندوق النقد الدولي، الذي يتفاوضون معه، لم يحبذها الاخير للنتائج السلبية التي قدر انها ستتمخض عنها.

ترمي الخطة حسب النص المسرب الى تقسيم الودائع الى ثلاثة شطور:

(الاول) الودائع التي تقل قيمتها عن 150 ألف دولار تسترجع بالدولار النقدي، لكن مع تقسيط على مدى 15 سنة. (الثاني) ودائع قيمتها ما بين 150 و500 ألف دولار يتم سدادها بالليرة اللبنانيّة، وفقاً “لسعر صرف السوق”، من دون تحديد المرجعيّة التي سيتم الركون إليها لتحديد سعر الصرف وهذا ما يرجح تحميل المودعين مخاطر التقلبات الماليّة والاقتصاديّة على امتداد فترة 15 سنة.

(الثالث) الودائع التي تتخطّى قيمتها 500 ألف دولار أميركي يتم استبدالها، قسم بأسهم داخل المصارف نفسها، وقسم آخر بـ”سندات دائمة” من دون تاريخ استحقاق محدد مربوطة بأصول للدولة اللبنانيّة وايراداتها.

ان خطة التعافي المحكي عنها ليست بالحقيقة سوى عملية تعقب من قبل السلطة للمودعين الى ملجأ العملة الاجنبية، الذي هربوا اليه قسراً بفعل سياساتها الفاشلة في العديد من المجالات، لاجبارهم على الخروج من هذا الملجأ عنوة والعودة الى العملة الوطنية التي فقدوا الثقة بها، من دون وجود اي سياسة ضامنة لاستعادة الثقة بهذه العملة او حتى اي دليل على ان السياسات العامة المستقبلية ستضمن عدم تراجع، او تدهور سعر صرف العملة الوطنية مجدداً بعد اطلاق خطة التعافي المحكي عنها.

هناك امور عدة كانت وراء الانحرافات الحاصلة في اعداد خطة الحكومة اهمها التالي:

(1) (1) ان اعداد الخطة لم يحصل من قبل اخصائيين محايدين تتمثل فيهم جميع الاختصاصات المطلوبة والمصالح ذات الصلة. بل انحصر الامر بمراجع معنية بشكل او بآخر بما وصلت اليه البلاد. لذا يعتبر البعض الامر بمثابة تمهيد لاعادة ذات المنظومة المالية والسياسية المسؤولة عن الانهيار، ما يجعل استعادة الثقة بعيدة المنال.

(2) (2) ان الهدف من الخطة لا يبدو جلياً انه لتحقيق المصلحة العامة، بل لتحقيق مصالح محددة تهدف الى تغليب هدف اطفاء خسائر مصرف لبنان والمصارف ولو بطرق غير سليمة وغير قانونية، على هدف استعادة المودعين لكامل ودائعهم (اي بذات العملة وبذات القيمة) كما لو كانت الودائع في خزائنهم الشخصية، حسب تعبير راعي وضع قانون النقد والتسليف وانشاء مصرف لبنان المرحوم جوزيف اوغورليان في كتابه Une Monnaie Un Etat, Histoire de La Monnaie Libanaise

(3) (3) أيضاً يظهر من الخطة انها وضعت للتعاطي مع الامور وكانها كارثة طبيعية، فتعالج اضرارها على اساس توزيع عادل للخسائر وليس على اساس ان ما حصل هو نتيجة اخطاء محددة، يتعين الانطلاق منها لمساءلة مرتكبيها كما حصل في الولايات المتحدة الاميركية بعد ازمة الرهونات العقارية عام 2008، وايضاً في ايسلندا والاخطاء المومى اليها يقتضي البحث عنها منذ بداية التسعينات في اعمال وقرارات وتقاريرالمجالس النيابية والحكومات،والقيمين على مصرف لبنان ومفوضي الحكومة لديه ومفوضي مراقبته.

الاقتراح هو باستصدار قانون يمنع على اللبنانيين المقيمين في لبنان من ان تكون لهم حسابات بالخارج، الا في حالات معينة يحددها القانون ويطالب من لديه منهم حسابات مفتوحة في الخارج بتاريخ صدور القانون باقفالها واعادة ارصدتها الى الوطن، وذلك ضمن مهل محددة تحت طائلة انواع متنوعة من العقوبات.

إن اقرار تشريع يحظر على اللبنانيين المقيمين حيازة حسابات مصرفية في الخارج سيكون ذو تأثير بالغ الاهمية. فمليارات الدولارات التي ستعود الى الوطن ستقلب جميع المقاييس، واول نتائجها ستظهر في سعر صرف العملة الوطنية حيث سيتدحرج الى مستويات ما كانت لتخطر على اي بال. وسيدفع الامر ايجاباً نحو اعادة تكوين الودائع وتذويب الخسائر من خلال توفير فرص مغرية ومتكافئة لاصحاب الودائع الموطنة والمستعادة، بالمشاركة في اطلاق برامج للنهوض الحقيقي في البلد مدرة للدخل.

إن النجاح الامثل للاقتراحات النقدية والمصرفية السابقة يتطلب اعادة هيكلة مصرف لبنان بحصر مهمته الاساسية بالاستقرار النقدي. ما يستدعي اعفاءه من نشاط الاشراف وتنظيم المصارف والمؤسسات المالية، والحاق الامر بهيئة مستقلة تختص بالامور السابقة وايضاً بالرقابة المصرفية والمالية التي تقوم بها راهناً لجنة الرقابة على المصارف.

الخطة (أ) Plan A وتقضي بمطالبتهم باعادة تكوين رؤوس اموال مصارفهم كما المراكز النظامية المطلوبة لها خلال مدة معينة.

الخطة (ب) Plan B في حال الاخفاق في تأمين المطلوب، فان ابواب مصارف المقصرين ستغلق وسيزج بالمسؤولين عنها في السجن، الى جانب المسؤولين الرسميين عن الازمة.

نتائج ما سبق كانت جد ناجحة. فقد تم ايفاء قرض صندوق النقد الدولي قبل الاوان ولم تمس ودائع المواطنين.

 

مصدرنداء الوطن - توفيق شمبور
المادة السابقةالذهب أمام خيارين: الإهدار أو الاستخدام للتعافي
المقالة القادمةما هو السعر الحقيقي للدولار؟