تَكشّف خلال الاجتماع الموسّع الذي عقد في وزارة الاقتصاد لبحث وضع الامن الغذائي، انّ الهاجس الاكبر الذي يعيشه البلد هو توقّف الشحن البحري نتيجة اي حصار غير متوقع بسبب الحرب او بسبب عدم إعطاء شركات التأمين الاجنبية بوالص تغطي اي حرب قد تندلع في لبنان. عدا عن ذلك فإن مخزون البلاد من السلع الغذائية يكفيها لثلاثة اشهر على أقل تقدير… الّا في حالة الهلع.
صحيح انّ التجار ووزارة الاقتصاد في متابعة حثيثة لأي تداعيات قد تطرأ في حال اندلعت الحرب، الا ان الجميع يعلم ان كل هذه الخطط الاستباقية قد لا تنفع في حالة الحرب أو ستكون في مكان ما غير قابلة للتنفيذ لتعذّر الامكانات من جهة، ولأن لا احد يعلم كيف يمكن ان تسير مجريات الحرب، فماذا تنفع الخطط والمخزون اذا تقطّعت أوصال الوطن على غرار ما حصل في حرب تموز؟ كيف يمكن ايصال السلع الغذائية تحت الحصار؟ ما العمل في حال توقّف الشحن البحري كلياً؟ خصوصا انه المنفذ الوحيد للاستيراد والتصدير في ظل توقف حركة الشحن البري وعدم استعمال الشحن الجوي لغرض التجارة. كيف يمكن التحوّط ولا صوامع قمح لدينا منذ انفجار المرفأ في 4 آب 2020؟ كيف السبيل لدولة عاجزة ومفلسة ان تُعيل وتقف الى جانب اللبناني النازح في ارضه وتتحمل عبء النازح السوري والفلسطيني على السواء على أرضها؟
في السياق، كشفت مصادر متابعة للقاء الذي عقد في وزارة الاقتصاد أمس لـ«الجمهورية» ان مخزون المطاحن من القمح المتوفّر راهناً يكفي لبنان لحوالى الشهرين، فنحن لدينا ما يقارب الـ 12 مطحنة خاصة قادرة على توفير مخزون لشهرين، الا ان التخوّف ليس من التخزين انما مِن تعذّر وصول البواخر الى لبنان في حال الحصار البحري، أضف الى ذلك التخوّف من توقف التأمين البحري على البواخر، ورفض شركات التأمين الاجنبية إجراء تأمين حرب للبنان، لذلك يسعى اصحاب المطاحن للاستحصال من شركات التأمين على تأمين حرب، بغضّ النظر عن كلفتها. ولفتت المصادر الى ان هذه الأزمة كشفت ارتهان لبنان للشركات الاجنبية في مجال التأمين بعدما تبيّن ان لا الطائرات ولا الشحن بحراً متعاقدة مع شركات تأمين لبنان.
ورداً على سؤال، طمأنت المصادر انه لا يوجد نقص حتى الساعة بأيّ من المواد او السلع الاساسية في السوق، وأكدت انّ التجار قاموا بطلبيات جديدة تحسّباً للأسوأ.
بحصلي: تداعيات كارثية
من جهته، أكد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ«الجمهورية» ان الامدادات الغذائية متوفرة في الوقت الراهن ولا داعي للقلق، لكن كل شيء قد يتغّير في حال اندلاع الحرب، فنحن سنكون امام مشكلة حتماً في حال فرضت اسرائيل حصارا بحريا على لبنان كما حصل في حرب تموز، مع العلم انه يومها كان خط سوريا مفتوحاً وتمكّن لبنان من التعويض عن النقص بالشحن البري، الامر المُتعذّر حالياً.
واعتبر بحصلي انه لا يمكن للتجار اليوم رفع مخزونهم كخطة استباقية وذلك لاسباب عدة، منها: تراجع القدرة الشرائية للمواطنين ما يحول دون توجههم جميعا نحو التخزين «الاكسترا»، فالرواتب بالكاد تكفي لشراء الحاجات اليومية او الشهرية، ومن جهة أخرى لا امكانية للتجار لشراء بضاعة بكميات كبيرة بسبب امكاناتهم المحدودة نظراً لغياب الاعتمادات المصرفية والتمويل، عدا عن انّ هناك مخاطرة في التخزين على ابواب الحرب. وشدّد بحصلي على ان الحرب اليوم ممنوعة لأن تداعياتها ستكون أكثر من كارثية على لبنان. وإذ أكد انّ مخزون البلاد من السلع والمواد الغذائية والاستهلاكيه تكفيه لثلاثة اشهر، نَبّه الى انه في حالة الهلع والتخزين قد لا تكفي لأكثر من شهر.
إجتماع الامن الغذائي
الى ذلك، جرى اجتماع موسّع أمس في وزارة الاقتصاد للبحث في موضوع الامن الغذائي، عقد على أثره وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام مؤتمرا صحافيا أكد فيه ان القطاع الخاص ما زال يؤمّن الحد الأدنى من مقومات العيش في هذا البلد وما زال يدخل مواد غذائية ومشتقات نفطية، وهو يعمل في ظروف صعبة»، وقال: «هذا القطاع يقف بجانب الدولة، التي تحول قدراتها دون تخزين المواد الاستراتيجية».
أضاف: «لقد تمت طمأنتنا إلى أن هناك كميات وبواخر وطلبيات ومخازن معبّأة، لكن المخاطر الكبرى سواء أكان ذلك في السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية أم المحروقات تَكمن في حال، لا سمح الله، حصلَ حصار بحري علينا. ولذلك، نتعاطى بدقة مع الملاحة الجوية والبحرية بحسب واقع الحال اليومي».
وتابع: «نحن نقوم بخطوات استباقية لجهة تخزين المواد في المناطق اللبنانية. وتبين أن التخزين في معظمه في بيروت وجبل لبنان والمناطق غير المعرّضة للخطر في الوقت الحالي. أما إذا ضربت البنى التحية والجسور فالتنقلات ستكون في دائرة الخطر».
وأعلن أن «القطاعات المشاركة في اجتماع اليوم، لديها مخازن في كل المناطق ومستودعات مركزية وكميات من المواد تكفي أشهراً عدة». وقال: «إذا سلكت الأمور مسارها الطبيعي من دون اللجوء إلى التخزين، فإنّ مخزون المواد الاستهلاكية والسلع الغذائية يكفي لشهرين أو ثلاثة. أما في حال حصل العكس، فستتناقص تلك الكميات حتماً، وسيلجأ التجار إلى البضائع المخزنة في المستودعات».
وإذ أكد أن «المواد جاهزة»، قال: «إن استيراد كميات إضافية ممكن، طالما أن بحرنا وأجواءنا ما زالا مفتوحين».
وتحدث عن «التحديات التي تواجه التجار على الصعيد المالي، في ظل الوضع المصرفي في لبنان، ومنها التحاويل الى الخارج»، لافتاً إلى أن «هذا الأمر لا يساعد في حال الطوارىء».
وقال: «كل القطاعات على استعداد لمواكبة اي ظرف طارىء قد يحدث، حتى اننا ذهبنا أبعد من ذلك واجتمعنا مع عدد من المنظمات الدولية التي يمكن ان تساعدنا في حال لم يعد مُتاحاً دخول المواد الاساسية الى لبنان».
وتابع: «لقد حصل لغط خلال الاسبوع الماضي، حول رفع قيمة بوالص التأمين على الشحن البحري وتسبّب ذلك بثورة في الاسعار. وتأكدنا اليوم ان هذا الموضوع غير دقيق وتم تضخيمه اعلامياً، وتبيّن لنا ان انعكاس التضخم على اسعار المواد الاستهلاكية والسلع الغذائية لا يزيد عن 2 الى 3 بالمئة».
اضاف: «في موضوع الطحين والقمح والخبز، لقد اطلعتُ من البنك الدولي على انّ هناك اجراءات ستتخذ خلال الايام المقبلة، لتسهيل عمليات الاستيراد بوتيرة أسرع من أجل الابقاء على مخزون استراتيجي في البلد، وذلك بالتنسيق مع المطاحن والافران. وبدورنا، وضعنا آلية خلال السنة والنصف سنة الماضية، تُسهّل علينا نقل الطحين والقمح في البلد من الجنوب الى الشمال الى جبل لبنان الى بيروت بسرعة فائقة لا تتخطى الساعات القليلة، نظراً لتوفّر برنامج لدينا لمعرفة وجهة النقل والقدرة على تعديل التوزيع بحسب الحاجة».