بعد نحو خمسة أشهر على إطلاقها ما عرف بـ “مساهمة جمعية مصارف لبنان في برنامج الحكومة للتعافي المالي”، بدأ يتوضّح لقادة القطاع المصرفي أن لا خروج من الأزمة في المستقبل القريب. وإن قُدّر للجهود أن تتوحد وتتفق على سياسة إنقاذية، فان الكلفة ستتوزع على الجميع وستكون الخسائر مؤلمة على كافة المودعين. وذلك على عكس ايحاء جمعية المصارف سابقاً بتحييد المودعين عموماً والصغار منهم خصوصاً عن الخسائر. وادعائها بامكانية الاكتفاء بجدولة الديون بدلاً من إعادة هيكلتها.
وبتصريح لافت في الوقت والمضمون لفت المدير التنفيذي في “بنك ميد” ميشال عقاد إلى انه على المصارف “التصرف بسرعة لإنقاذ صغار المودعين أثناء إعادة رسملة البنوك”. فعلى الرغم من ان المصارف وكبار المودعين ليسوا المذنبين الأساسيين، بل الدولة، فانه “يجب عليهم أن يتحملوا مسؤولية الكارثة والمشاركة في تحمّل الخسائر”، بحسب عقاد. وبرأيه فان الحل الأنسب يكون بحماية الودائع التي تقل عن 500 الف دولار وتقسيم أي مبلغ يفوق 500 الف دولار إلى ثلاثة أجزاء: ثلث يبقى بالدولار، وثلث يدخل في رأسمال البنك كأسهم bail-in، أمّا الثلث الباقي فيحوّل إلى الليرة اللبنانية. ذلك على أن يطبق كابيتال كونترول على ثلث الودائع التي تقل عن 500 ألف دولار، وذلك من أجل الحد من نزيف السيولة خلال السنوات الثلاث القادمة.
تتعدد تصاميم الخطط وطريقة توزيعها للخسائر إلا ان النتيجة تبقى واحدة: إنعدام القدرة على إعادة أي نسبة من الودائع مهما كانت صغيرة بالدولار. فالنسبة التي ستتم المحافظة عليها بالعملة الأجنبية سواء كانت 20 أو 30 أو حتى 50 في المئة ستكون بـ “اللولار” أو “الدولار المحلي” بحسب توصيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وهي قيم مالية بالعملة الأجنبية من الممكن استخدامها كعملة رقمية في المستقبل القريب، إنما لا يمكن التداول بها خارج حدود البلد. وعليه فان “تحويل سحوبات المودعين بالدولار قسراً إلى الليرة مع إمكانية غير محدودة في طباعة العملة الوطنية، يمثّل هيركات بشكل غير مباشر”، بحسب مارديني. “أمّا نسبته فترتفع باضطراد مع انهيار سعر الصرف. الأمر الذي يدحض إدعاء المصارف أنها لا تطبق “هيركات” أو أن خطتها لا تشمل أي إقتطاع من الودائع”. وبرأي مارديني فان كل ما يجري هو عبارة عن خطوات تكتيكية من أجل “تشليح” المودعين أموالهم. إذ من بعد إقتطاع نصف أو ثلثي الودائع بحجج مختلفة، سواء كانت رسملة أو “هيركات” او خلافه.. فان الباقي من الوديعة لا يمكن للمودع سحبه بالدولار أو تحويله إلى الخارج. فيكون الاقتطاع بذلك قد طال كامل أحجام الودائع”.