لن يكون صرف الدولارات لدى الصرّاف عملاً عشوائياً في المستقبل، إذ تعد نقابة الصرّافين كلّ اللبنانيين بتنظيم هذا القطاع بعد الأزمة التي أفقدت النقابة دورها وحوّلت كلّ صرّاف شرعي إلى “مشروع تهمة”. أمّا التنظيم الموعود فسيكون بضمّ أكبر عدد من الصرّافين تحت لواء النقابة وإلزامهم، بالترغيب وربّما أحياناً بالترهيب، بأخذ بيانات الزبائن والتصريح عن مصدر العملات الأجنبية المصروفة لديهم، خصوصاً حينما يكون المبلغ أكبر من 10 آلاف دولار… فهل تنجح بذلك؟ وما هي الإجراءات الإضافية الجديدة؟
لم تنتهِ بعد مفاعيل زيارة وفد الخزانة الأميركية الشهر الفائت إلى لبنان. ما زالت ذيولها تتفاعل عبر ضخّ “روحية العمل” المفقود منذ 4 سنوات إلى اليوم بين فرقاء القطاع الماليّ والمصرفي… أمّا الهدف من كلّ ذلك فهو بذل المزيد من الجهود من أجل مكافحة “اقتصاد الكاش” الذي تتوجّس منه الخزانة الأميركية ويلفظه أيّ نظام ماليّ في أيّ دولة تحترم نفسها وتطمح إلى “الصراط الماليّ والنقدي المستقيم”.
الثقة المفقودة بالصرّافين ونقابتهم
آخر تلك التحرّكات كانت الإجراءات التي بدأت نقابة الصرّافين باتّخاذها من أجل ضبط هذا القطاع وقوننته وإعادة تنظيمه، وعلم بها “أساس”. وذلك بعدما تهشّم هذا القطاع خلال سِنِي الأزمة الأربع. وافتتحت نقابة الصرّافين ورشة عمل أخيراً، وكان محرّكها الرئيسي أمرين:
1- سعي نقابة الصرّافين، بالتنسيق وبطلب من مصرف لبنان، إلى تجنيب لبنان إدراجه على “اللائحة الرماديّة” لمجموعة العمل المالي (FATF)، التي تطالب الدول بالالتزام بـ40 معياراً لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وقد أظهر لبنان ضعفه بعدد منها. وأحدها نقطة “الاقتصاد الكاش” لدى الصرّافين، وهي ثغرة لا بدّ من سدّها من أجل تحاشي إدراج لبنان على تلك اللائحة.
2- إعادة بثّ الثقة بقطاع الصرّافين، وذلك بعدما تحوّلت المهنة خلال أعوام الأزمة الاقتصادية الأربعة المنصرمة إلى “تهمة” لا “مهنة”.
وفد الخزانة هو الحافز؟
ينفي نقيب الصرّافين الدكتور مجد المصري في حديث مع “أساس” أن تكون خطّة التحرّك دافعها الزيارة التي قام بها وفد الخزانة الأميركية قبل أسابيع للبنان. ويقول إنّ الخطّة “موضوعة منذ نحو 7 أشهر”، أي منذ تسلّمه مهامّ النقيب.
ويضيف خطتنا ترمي إلى “حضّ الصرّافين غير المنتسبين على الانتساب للنقابة والانخراط في صفوفها والالتزام بتعليماتها”. وذلك لأنّ نقابة الصرّافين كانت “غائبة عن الصورة على مدى السنوات الأربع المنصرمة، فالتغى دورها”. وتحوّلت خلال تلك السنوات إلى “مكسر عصا لا يتحدّث باسمها أحد أو يدافع عنها”. بل أصبحت نقابة الصرّافين “ملطشة” للأجهزة الأمنيّة، وذلك نتيجة لصق تُهم بالصرّافين، خصوصاً الشرعيين، “خالطين بيننا وبين المضاربين والسماسرة. وهذا ما أوصل إلى اتّهامنا بسحب الدولارات من السوق أو التلاعب بسعر الصرف”. مذكّراً في الوقت نفسه بأنّ الصرّاف هو “مجرّد وسيط”، لا يستطيع تخطّي الدور المرسوم له من مصرف لبنان باعتباره المتحكّم والمحتكر الأوّل للسوق وأسعاره، صعوداً أو هبوطاً. وبالتالي هو، أي مصرف لبنان، من “يتحمّل مسؤولية كلّ ما يجري في السوق، وليس الصرّافون”.
هدف بـ5 نقاط
بحسب المصري، فإنّ الهدف خلف هذه الإجراءات هو “إعادة بناء الثقة مجدّداً بين الصرّافين وبين مصرف لبنان. وذلك من خلال الالتزام بتعاميمه أوّلاً، والالتزام بمتطلّبات الامتثال (Compliance) ثانياً.
أمّا الإجراءات الجديدة، التي تعتزم نقابة الصرّافين إلزام المنتسبين بها، هي:
-1 العضويّة: تسعى نقابة الصرّافين إلى ضمّ جميع الصرّافين الشرعيين إلى صفوفها. إذ ثمّة عدد ليس قليلاً من الصرّافين الشرعيين غير منتسبين إلى النقابة. يؤكّد النقيب أنّ هذا الانضمام هو اختياري وليس إلزامياً حتى الآن. وذلك على الرغم من تقدّم النقابة في السنوات الماضية بمشروع قانون إلى الحكومة يُلزم الصرّافين الشرعيين بالانتساب للنقابة. إلا أن مجلس الوزراء (حكومة ميقاتي السابقة) رفضه في حينه لأسباب مجهولة.
-2 التطبيق: قامت نقابة الصرّافين بإنشاء تطبيق إلكتروني يمكّن الصرّاف المنتسب إليها من “معرفة أسماء الأشخاص والكيانات المدرجة على اللائحة السوداء”. وبذلك يستطيع الصرّاف “معرفة تلك الأسماء وتحاشي التعامل معها. بل إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بنوع العملية التي يطلب إجراءها”، وذلك من أجل ضبط عمليات تبييض أموال أو تمويل الإرهاب.
3- الامتثال: تفرض نقابة الصرّافين على كلّ عضو منتسب اعتماد مدقّق حسابات وضابط امتثال من أجل القيام بالعمل المحاسبي. وكذلك التدقيق بالتزام شركة الصرافة بمعايير الامتثال. ومن أجل ذلك أوجدت نقابة الصرّافين الحلّ لأعضائها، من خلال السماح لصرّافي المنطقة الواحدة باعتماد “ضابط واحد” لكلّ 10 صرّافين، من أجل تخفيض التكاليف الملقاة على عاتقهم، باعتبار أنّ أجر “ضبّاط الامتثال” مرتفع نسبياً.
4- توحيد المعايير المحاسبية: تسعى نقابة الصرّافين إلى توحيد المعايير المحاسبية بين الصرّافين لدى وزارة المالية والأجهزة الرسمية. إذ ثمّة تباين بينهم كان يسود خلال الفترة الماضية، من خلال إدراج بعض الصرّافين في بعض المناطق ضمن “النظام التجاري” الخاصّ بالشركات التجارية، وليس ضمن “النظام الماليّ” الذي يخصّ المصارف والمؤسّسات المالية. وعليه تحاول النقابة فرض برامج محاسبية حديثة من أجل توحيد المعايير بين أعضائها، ثمّ توحيدها أيضاً في علاقة الصرّافين مع وزارة المالية.
5- سقف الصرف: هذه النقطة هي من بين أهمّ النقاط التي تسعى نقابة الصرّافين إلى فرضها على الأعضاء مستقبلاً. وهي إلزام الصرّاف بـ”أخذ بيانات الزبون القاصد لشبابيك الصرّافين من أجل صرف العملات الصعبة (صورة عن بطاقة الهويّة وبعض التفاصيل الأخرى)”. أمّا إذا كان المبلغ الذي ينوي الزبون (أفراداً أو شركات) صرفه يفوق 10 آلاف دولار. فإنّ الصرّاف الشرعي في هذه الحالة “سيكون ملزماً بأخذ بيانات الزبون كاملة والحصول منه على مصدر تلك الأموال وكذلك سبب صرفها”. هو إجراء يشبه إلى حدّ كبير الإجراءات المطبّقة في المصارفة المسمّاة (KYC) أو ما اختصاره بالإنكليزية Know your client.
ترغيب… ولا حوافز أو عواقب تُذكر
يكرّر نقيب الصرّافين لـ”أساس” أنّ فرض الانتساب إلى النقابة ليس إلزامياً حتى اللحظة في ظلّ غياب القانون. كما يقرّ بأن لا إجراءات عقابية ستستطيع النقابة فرضها على الصرّافين غير الملتزمين بالعضوية أو حتى بالإجراءات المذكورة أعلاه. لكنّه في الوقت نفسه يؤكّد أنّ “كلمة السرّ” تكمن في التطبيق (App): لأنّ عدم اشتراك أيّ صرّاف في هذا التطبيق سيدفع نقابة الصرّافين إلى إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عن أسماء الصرّافين غير المشتركين فيه. أي (By default) ستخبر النقابة هيئة التحقيق بأسماء الصرّافين غير المنتسبين إلى النقابة.
يؤكّد المصري أنّ هيئة التحقيق الخاصة “ستحضّ هؤلاء على تحميل التطبيق والاشتراك فيه. ولأنّ تكلفته السنوية من خارج النقابة هي بين 2,000 و3,000 دولار سنوياً بينما عن طريق النقابة لا تتعدّى 200$ للفئة “أ” و100$ للفئة “ب”، سيضطرّون إلى الاشتراك فيه عبرنا. أي ستحضّهم بشكل غير مباشر على الانتساب لدينا من أجل تحميل هذا التطبيق”.
أمّا عن الإجراءات الإضافية الأخرى التي تقوم بها نقابة الصرّافين، فيشرح النقيب أنّ النقابة تهتمّ جداً وتشدّد على “التوعية” و”التدريبات”. إذ تحرص على ملاحقة التفاصيل مع أعضائها المنتسبين. وذلك من خلال إنشاء لجنة في كلّ محافظة وظيفتها متابعة سائر الصرّافين في المحافظة نفسها، والتنسيق معهم، وحضّهم على الانتساب. وصولاً إلى تقديم خدمة الحصول على تسهيلات مرور من الأجهزة الأمنيّة، أو تسريع معاملات الحصول على تراخيص حمل سلاح من وزارة الدفاع في ظلّ الظروف الأمنيّة الحالية.
في هذا الصدد يؤكّد النقيب المصري لـ”أساس” أنّ وزير الدفاع موريس سليم أبدى استعداده لمساعدة النقابة. وأعرب عن سروره من عملها والتنظيم المستجدّ الذي تسعى النقابة إلى فرضه. واعداً بتسريع كلّ المعاملات التي يتقدّم بها الصرّافون عن طريق النقابة، وإيلائها الاهتمام المطلوب دون سواها.
إضافة إلى ذلك، يشرح النقيب لـ”أساس” أنّ النقابة تقوم بزيارات دورية لبعض الهيئات والقطاعات الاقتصادية في البلاد من أجل الحصول على المزيد من الدعم بغية إنجاح خطّتها، حيث اجتمعت أخيراً مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمّالي العام. وكذلك مع اتحاد غرف التجارة والصناعة، وحاولت قدر المستطاع إعادة مهنة الصرافة إلى “الخارطة الاقتصادية” وتنظيف سمعتها.