ما تواجهه اليوم سوريا ولبنان من أزمة كهربائية خانقة، كان مخططاً له ألا يحدث قبل حوالى عقدين من الزمن، وتحديداً مع الاتفاق على إنشاء خط أنابيب ينقل الغاز المصري إلى البلدين إضافة إلى الأردن. وهذا ما حدث فعلاً في عام 2003، عندما تمّ تدشين المقطع الأول من الخطّ، والذي يربط مدينة العريش المصرية بالعقبة الأردنية بطول 165 كم، وفي عام 2008 عندما تمّ الانتهاء من استكمال مسار الخط داخل الأراضي السورية وصولاً إلى طرابلس في لبنان، ليتجاوز بذلك إجمالي طول الخط المنجز أكثر من ألف كم بدءاً من العريش المصرية إلى حمص السورية، وبكلفة تزيد على 1.2 مليار دولار.
لم تمهل الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية منذ نهاية عام 2010 المشروع المذكور ليكمل حلمه، ويتحوّل من مجرّد مشروع تعاون عربي إلى مشروع استراتيجي يربط بين الدول المنتجة والمستوردة للغاز الطبيعي في قارات العالم القديم، فالمشروع في مداه القريب كان يستهدف ضمّ منتجين كبار كالسعودية والعراق والربط مع الشبكة الأوروبية عبر تركيا، وبحسب ما يشير وزير النفط السوري الأسبق المهندس سليمان عباس، فإن»الخطّ كان يمثل منفذاً تصديرياً مثالياً لجهة التكاليف وسرعة إيصال المنتج إلى الأسواق المستهلكة، وتالياً فإن أهمية المشروع المستقبلية كانت تتمثل في العمل على انضمام السعودية باحتياطاتها التي كانت تتجاوز 8.6 تريليون م3، والعراق باحتياطاته التي تزيد على 6.4 تريليون م3، ولا سيما أن الربط مع الشبكة التركية كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق في عام 2011. لكن التطورات التي حصلت في المنطقة من غزو العراق إلى الأحداث في كل من مصر وسوريا، حالت دون أن يُستكمل المشروع».
ومع تعرّض الخط في مقطعه الممتد بين العريش والعقبة لسلسلة تفجيرات مع بداية الثورة المصرية عام 2010، وصل عددها إلى حوالى 18 اعتداء، ومن ثم تراجع كميات الإنتاج المصري من الغاز إلى حدود باتت فيها عاجزة عن تلبية الاحتياجات المحلية التي وصلت إلى أكثر من 150 مليون م3 يومياً، توقّف ضخّ الغاز عبر الخط العربي، لا بل إن القاهرة اضطرّت إلى استثمار المقطع بين العريش والعقبة عبر طريقة الضخ العكسي لاستيراد بعض الكميات من «إسرائيل»، وذلك قبل أن يصار إلى اكتشاف حقل الظهر عام 2015، والذي تتجاوز احتياطاته حوالى 30 تريليون م3. الاكتشاف الذي أعاد الأمل بإمكانية عودة «الحياة» إلى الخط الذي ربما كان، إلى جانب اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية، من المشروعات العربية النادرة التي وجدت طريقها للتنفيذ الفعلي.
كل الظروف الاقتصادية الحالية، تبدو مهيّأة لإعادة استثمار الخط من جديد، على الأقل في مقطعه العربي، والذي لم يتضرّر كثيراً خلال السنوات السابقة. فمصر عادت دولة منتجة ومصدّرة للغاز، وحاجة كل من الأردن وسوريا ولبنان إلى الغاز باتت كبيرة لأسباب خاصة بظروف كل بلد منها، كما أن الوضع القلق لمضيق هرمز المتحكّم في صادرات دول المنطقة من النفط والغاز، يجعل من الخط خياراً مستقبلياً راجحاً لكلّ من الرياض وبغداد، وربّما لاحقاً الدوحة وطهران، والتي تضطر حالياً وفق ما يشرح خبير نفطي، إلى تسييل الغاز لتتمكّن من تصديره بحراً وبأجور نقل عالية، ثم تقوم الدول المستوردة بإعادته إلى حالته الغازية. لكن، بتصدير الغاز عبر أنابيب الخط العربي، لن تكون هناك حاجة إلى تسييله، الأمر الذي من شأنه أن يوفّر مبالغ كبيرة على المصدر والمستورد معاً. إنما كل ذلك يبقى، بحسب ما يذكر المهندس عباس، «مرهوناً بالتطوّرات التي يمكن أن تطرأ على العلاقات والمصالح السياسية بين دول المنطقة، والتي كان لاستقرارها في مرحلة سابقة دور أساسي في الاتفاق على المشروع وتنفيذه»، فضلاً عمّا ستؤول إليه الجهود المبذولة لتسوية مشاكل المنطقة وأزماتها.
يروي مسؤول نفطي سوري فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن «إحدى الشركات النفطية العالمية الكبرى، عرضت على الحكومة السورية في وقت سابق قبل الحرب، استثمار مقطع الخطّ الذي يربط بين مدينة حلب ومدينة كلس التركية لمدة عشر سنوات، وهو ما رفضته الحكومة السورية لقناعتها أن الشركة تسعى من خلال عرضها إلى التحكم مستقبلاً في تصدير الغاز المُنتج من عدّة دول عربية إلى أوروبا عبر الشبكة التركية، خاصة مع وجود استثمارات لتلك الشركة في بعض حقول الغاز العراقية».
إن النجاح في إعادة تشغيل خط الغاز العربي، قد يفتح الباب أمام مشروع عربيّ آخر انطلق العمل به خلال العقد الأول من القرن الحالي، وتضمّن إجراء ربط كهربائي بين الدول نفسها، بحيث تتحوّل الشبكات الكهربائية في الدول المشترَكة إلى ما يشبه الشبكة الواحدة، التي تقوم بعملية إعادة توزيع للطاقة المنتجة والفائضة في بعض الدول، لسدّ النقص الحاصل في الطاقة لدى دول أخرى وهكذا.