مضت خمسة أشهر على تضرر أوتوستراد الجنوب، وإنهيار الجبل المحاذي له عند بلدة برج رحّال، بسبب العواصف التي حصلت في فصل الشتاء، ولم يتمّ إصلاحه إلى حدّ الساعة. وقد قطعت الأضرار التي لحقت بالأوتوستراد حركة المرور في الجزء المتجه من صور إلى صيدا، ما اضطر السيارات إلى أخذ طريق جانبي محاذٍ للأوتوستراد، متعرّج ولا يتّسع لمرور أكثر من سيارة واحدة، ما يتسبّب بازدحام خانق بشكل دائم. هذا الواقع دفع بالمواطنين إلى توجيه نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس للتحرك وإصلاح الطريق. وبعد طول معاناة، فوجىء الجميع بفتح الأوتوستراد بشكل جزئي، عبر تخصيص مسرب واحد لحركة السيارات، يوم الإثنين الفائت في 21 أيار. لكن إتحاد بلديات ساحل الزهراني سارع إلى إغلاق الطريق خوفاً على سلامة المارة، وبسبب الضرر الذي قد يلحق بالسيارات.
تعدد الروايات
في متابعة “المدن” لهذه القضية، اعتبر رئيس بلدية برج رحال حسن حمود أن فتح الطريق بشكل جزئي أمرٌ مفاجئ، وعبارة عن مبادرة فرديّة لم يُعرف من قام بها. إذ لا يمكن لإتحاد بلديات قضاء صور أو إتحاد بلديات ساحل الزهراني فتح الطريق على مسؤوليتهما، تفادياً لتحمّل مسؤولية الحوادث التي قد تقع على الأوتوستراد.
ورغم الحاجة الملحّة لوضع خطط لإصلاح الخلل الأساسي في الأتوستراد، كونه شُقّ في جبل مكوّن من تربة كلسية، وتكثر فيه الينابيع، وفق ما أكّد حمود، كلّفت وزارة الأشغال شركة الإتحاد، المنفذة لمشروع أوتستراد الزهراني-القاسمية إزالة الردميات وصيانة الإنخساف الحاصل وذلك بعد مرور شهر ونصف الشهر على انهيار الجبل. لكن عملية الجرف والحفر أدّت إلى تجدّد الإنخساف وإلى مزيد من الإنهيارات في الجبل، ما أدى إلى توقف الأعمال. علماً أنّ حل المشكلة أُلقي على عاتق الهيئة العليا للإغاثة المسؤولة عن الكوارث الطبيعية، وقد تمّ رصد ملبغ 15 مليار ليرة لبنانية لمعالجة الأوتوسترادات المتضرّرة جراء العواصف التي ضربت لبنان في فصل الشتاء، لكن الأموال ما زالت رهن إقرار الموازنة، كما أوضح حمود.
ليست من مهام “الأشغال”
في إتصال مع “المدن”، لفت رئيس إتحاد بلديات ساحل الزهراني علي مطر إلى أن المماطلة في معالجة الأضرار الحالية مردّها إلى الخلافات بين مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال، حول العيوب التي طالت تنفيذ مشروع الأوتوستراد في العام 2008. ووفق مطر، أبلغ رئيس قسم العمليات في وزارة الأشغال، المهندس محسن طليس، الإتحاد إن الوزارة ستعالج الأعطال بشكل مؤقّت لتسيير حركة المارة، في إنتظار بتّ المعنيين بقضية التلزيمات والبدء بالأشغال. لكن اللافت نفي مدير مكتب وزير الأشغال شكيب خوري، ما نُقل على لسان رئيس قسم العمليات في الوزارة. وأوضح لـ”المدن” إن “الملف ليس من مهمتنا، بل أصبح بعهدة الهيئة العليا للإغاثة، المسؤولة عن عمليات التلزيم. وبالتالي لا تملك الوزارة أي معلومات عن توقيت البدء بالأعمال”.
الإغاثة لا تغيث
في حديث إلى “المدن” أكّد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، أنّ مرسوم البدء بالأعمال وُقّع منذ ثلاثة أيام، بعد أن أنجزت شركة “خطيب وعلمي” الدراسة المطلوبة لمعالجة الإنهيار. ووعد الخير ببدء الأعمال بعد عطلة عيد الفطر. لكن في المقابل ليس لدى الخير معلومات عن الكلفة الإقتصادية للمعالجة، و لا حتى أي جواب عن الخطة الإصلاحية لمعالجة إنهيارات الجبل المحاذي للأوتوستراد، خصوصاً أن تربتها هشّة ومعرّضة للإنزلاق الدائم.
مثل المعتاد
قضية هذا الأوتوستراد تشبه بقية القضايا العامة المتعلقة بتنفيذ المشاريع والإنشاءات وطرق معالجة الأضرار التي تلحق بها. وتطرح التساؤلات حول سياسة “تقاذف المسؤوليات” بين المسؤولين والتهرّب من كشف الحقائق إلى الرأي العام. فصحيح أن الكُرة رميت بمرمى الهيئة العليا للإغاثة، لكن من الواضح بأن وزارة الأشغال غائبة عن دورها المفترض، وتحاول رفع المسؤولية عن كاهلها بشتى الطرق. وإلى حين بدء الأعمال والإنتهاء منها، سيبقى الأوتوستراد مقفلاً أمام المواطنين والسيّاح، أقله خلال فصل الصيف والموسم السياحي الموعود.