بينما يشدّد البنك الدولي وكل المانحين الذي التزموا دعم لبنان في مؤتمر «سيدر»، على الاصلاحات المالية وقطاع الكهرباء، كأولوية قصوى من اجل وقف التدهور والنزيف في المالية العامة، لم نشهد لغاية اليوم أيّ خطوات حكومية في هذا الاتجاه، رغم انّ المأزق الذي تواجهه البلاد بعد تراكم الديون والاستحقاقات بالعملات الأجنبية، وتزايدها بشكل مضطرد، هو أنّ الأموال الوافدة تسير في خطّ معاكس لحاجات البلاد. فهي تسلك مساراً إنحدارياً مثيراً للقلق فيما تزداد حاجة الدولة ومصرف لبنان إلى المزيد من الدولارات.
في هذا السياق، يقول مصدر مصرفي أن الحكومة تتجاهل أخطر المؤشرات وهي: العجز في الميزان التجاري، العجز في الحساب الجاري، العجز في ميزان المدفوعات، تراجع الاستثمارات الخارجية في لبنان وصافي الأصول الأجنبية.
1- العجز في الحساب الجاري
مؤشر خطير، إذ إنه عبارة عن ميزان المدفوعات ناقصاً حساب رأس المال. وبالتالي يشير العجز في الحساب الجاري الى أنه يتم استخدام رأس المال من اجل تمويل العجز. وقد ارتفع هذا العجز من معدّل 16.3% من الناتج المحلي في 2008 إلى متوسّط 20% في فترة 2011-2017. ولا شك انّ الاقتصاد يعتمد بشكل هيكلي واساسي على رأس المال والتدفقات المالية لتمويل عجز الحساب الجاري. وقد أصبح هذا الاعتماد أكثرَ حدّة بعد أن زاد العجز في الحساب الجاري في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، جرت تحوّلات هيكلية في حساب رأس المال والحسابات المالية منذ فترة ما قبل أزمة 2011، ما يشير الى تقلّص الموارد المتاحة للبنان.
ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ العجز في الحساب الجاري 21,4 في المئة من الناتج المحلي في 2018 و20 في المئة في 2019.
2- العجز في ميزان المدفوعات
بلغ عجز ميزان المدفوعات الذي يؤشّر الى حجم خروج الأموال من لبنان نتيجة فقدان الثقة بالأداء السياسي وبالأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، 5 مليارات دولار في العام 2018. وفي بداية عام هي الاسوأ، وصل في شهر كانون الثاني 2019 وحده، الى 1,3 مليار دولار.
ووفقاً لأحد السيناريوهات السيّئة التي لا يمكن تجاهلُها: إذا استمرّ تراجع منسوبُ الثقة، قد تجد رؤوس الأموال الكبيرة طريقها الى خارج لبنان. علماً أنّ الثروات متمركزة مع نسبة ضئيلة جداً من المودعين. وهنا يُطرح السؤال: كيف تستطيع المصارف تسليم هذه الأموال لأصحابها، إذا كانت النسبة الأكبر منها موظّفة في السندات الحكومية ولتمويل القطاع الخاص؟
3- العجز في الميزان التجاري
تراجع حجم الصادرات بالنسبة الى الناتج المحلي وارتفاع عجز الميزان التجاري بالنسبة الى الناتج المحلي، ليصل الى 16 مليار دولار في 2018.
أدّت الأزمات الإقليمية التي اندلعت في العام 2011 وإغلاق معابر التصدير البري إلى دول مجلس التعاون الخليجي عبر سوريا، إلى إلحاق ضرر كبير بالصادرات اللبنانية من سلع وخدمات، إذ انخفضت حصّتها من 78 في المئة من الناتج المحلي في العام 2008 إلى 36 في المئة في العام 2017، وهو أدنى مستوى لها منذ خمسة عشر سنة.
وارتفع متوسّط العجز التجاري من 20 في المئة من الناتج المحلي في مرحلة 2002 – 2010 إلى 24.3 في المئة في فترة الأزمة 2011 – 2017.
ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ العجز في الميزان التجاري 23,2 في المئة من الناتج المحلي في 2018 و22,6 في المئة في 2019.
4- تراجع الاستثمارات الخارجية في لبنان
تراجعت الاستثمارات الخارجية في لبنان الى حدّ الانعدام في العام 2018. وقد انخفض صافي الاستثمارات الأجنبية من حوالى 10 في المئة من الناتج المحلي قبل الأزمة إلى 3.4 في المئة في فترة 2011 – 2017، وسُجّل أيضاً انخفاضٌ حادّ موازٍ في صافي الاستثمارات الأخرى، أي القروض والعملة والودائع من 17 في المئة في الفترة السابقة الى 13,8 في المئة من الناتج المحلي في 2011-2017.
5- صافي الأصول الأجنبية في لبنان
يواصل صافي الأصول الأجنبية في لبنان انخفاضه منذ العام 2011. وفي سياق تثبيت سعر الصرف والعجز الداخلي والخارجي على المدى الطويل، من الضروري أن يراكم لبنان فائضاً من الأصول الأجنبية على أساس سنوي. وهذا ما كان يتحقق عموماً في فترة ما قبل العام 2011، مع بعض الاستثناءات.
هذا الامر دفع مصرف لبنان الى حماية احتياطه من العملات الأجنبية وتعزيز أصوله الأجنبية من خلال إطلاق هندسات مالية كبيرة. وقد نجح في زيادة أصوله الأجنبية في العام 2016 بقيمة 1,2 مليار دولار. ولكن في العام 2017، ورغم استمرار هندسات مصرف لبنان المالية، استمرت هذه الأصول بالتراجع بحوالى 156 مليون دولار، وقد شهدت في العام 2018، تراجعاً حاداً بلغ 4,8 مليارات دولار. وفي زمن التهافت على الدولار وشحّ العملة الأجنبية، أصبح الهاجس الأكبر لمصرف لبنان تأمين الموارد بالعملات الأجنبية، لتجديد استحقاقات سندات اليوروبوندز وخدمة الدين العام ودين مصرف لبنان نفسه للمصارف بالعملات، وكذلك لأجل تغذية احتياطات المصرف المتآكلة بفعل الطلب على النقد الأجنبي.