خيارات مصرف لبنان محدودة: تقليص نشاط “صيرفة” وخفض سقوفها؟

بعد ملامسة سعر صرف الدولار عتبة الـ50 ألف ليرة، سارع مصرف لبنان للبحث في إجراءات “لاجمة” لتسارع انهيار الليرة في وجه الدولار. لم يُعلن مصرف لبنان عقب اجتماع مجلسه التنفيذي أمس، عما يتّجه إلى إقراره، فاكتفى بتسريب معلومات حول نيته إصدار العديد من التعاميم والقرارات اللاجمة لتدهور سعر الصرف.

غير أن واقع الحال يشي باستنفاد مصرف لبنان كل وسائله للجم تدهور العملة وضبط تداولها والمضاربة عليها في الأسواق. وأقصى ما يمكنه اتخاذه اليوم من إجراءات هي تلك المرتبطة بمنصة صيرفة والتعاميم 158 و161.

إجراءات محتملة

يعمد مصرف لبنان إلى صوغ إجراءات ضابطة للكتلة النقدية المتواجدة بالسوق بالليرة اللبنانية، قبل نهاية الشهر الحالي، تمهيداً لبدء اعتماد دولار الـ15000 ليرة على السحوبات من الودائع، إن بموجب التعميم 158 أو 161. وحسب مصدر مصرفي فإن مصرف لبنان يدرس اتخاذ قرارات في الأيام القليلة المقبلة، منها ما يرتبط بإعادة تنظيم التداول على منصة صيرفة، لجهة خفض سقوف السحب وحصرها بفئات محددة لاسيما بالموظفين، ومن القرارات المرتقبة أيضاً ما يرتبط بالتعميم رقم 158.

ويتوقع المصدر المصرفي في حديث إلى “المدن” أن يعمد مصرف لبنان إلى رفع قيمة السحوبات بالدولار بموجب التعميم 158 الذي يجيز حالياً سحب 400 دولار فريش و400 بالليرة على أساس 12000 ليرة للدولار، ومن المقرر ان يرتفع دولار الـ12000 ليرة إلى 15000 ليرة مطلع شهر شباط المقبل، إلى جانب سريان دولار الـ15000 ليرة على التعميم 161 بدلاً من 8000 ليرة للدولار.

ويلمح المصدر إلى احتمال اتخاذ مصرف لبنان إجراءات بحق عدد من المصارف التي لعبت دوراً بارزاً في الأسابيع الماضية على خط الإتجار بالعملة، والدخول في مضاربات بالاشتراك مع تجار وصرافين استفادوا من دولارات صيرفة على حساب مزيد من تراجع الليرة اللبنانية في الفترة الأخيرة.

إخفاق صيرفة

وأثبتت تجربة مصرف لبنان التي خاضها مؤخراً بهدف لجم انفلات سعر الصرف “فشلها”. فقد تمثلت بفتح سقوف سحب الدولارات لجميع المواطنين عبر منصة صيرفة، ولم تكن النتائج على قدر التوقعات. إذ اتجهت مبالغ كبيرة من الدولارات إلى المضاربات، فكانت النتيجة مزيداً من انهيار العملة. هذا الوضع أربك مصرف لبنان، وهو ما دفعه إلى البحث في إجراءات أخرى اكثر تشدداً مع المصارف والتجار والمضاربين. إلا أنه وحسب المعلومات، يواجه مصرف لبنان صداماً مع عدد من المصارف التي ترفض الإلتزام بإجراءات صيرفة الضيقة، باعتبارها تراكم المسؤوليات والضغوط على فروعها من دون تحقيق فائدة تذكر.

ويتوقع الخبير المالي والمصرفي خالد شاهين ان يتجه مصرف لبنان إلى العمل على التخفيف من الكتلة النقدية المتواجدة في الأسواق بالليرة اللبنانية، لافتاً إلى أن أحد أوجه الحلول قد يكون العودة بمنصة صيرفة الى سقوفها السابقة المنخفضة، ووقف السحوبات على سقف الـ100 مليون ليرة، وأن يتم وضع حدود متدنية للزبائن أو تقليص فئة المستفيدين من صيرفة إلى الحدود الدنيا.

لا خيارات

بالمبدأ الاقتصادي لا يمكن تعزيز قيمة العملة الوطنية وتقويتها، إلا بعد خفض حجم كتلتها في السوق. وهذه مسألة تتم عبر طريقتين، إما بضخ مزيد من الدولارات في السوق، وهو أمر في غاية الصعوبة حالياً وغير متوفر، أو من خلال تقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، على ما يوضح شاهين في حديثه إلى “المدن”، وهو متوقع على الرغم من محدودية فعاليته في الظرف الراهن.

الحل الوحيد المثالي لضبط انهيار العملة حالياً هو الحل الاقتصادي وليس المالي، يقول شاهين، فمصرف لبنان استنفد كافة الحلول والإجراءات الظرفية لضبط انهيار العملة، في ظل غياب أي وجود لدولة تضع سياسات اقتصادية قادرة على لجم تحرك الدولار مقابل الليرة. كما لم يعد تأثير العملة وقيمة العملة كبيراً مقارنة بحجم التأثير الاقتصادي على الأسعار وعلى ندرة الموارد والمشاكل الاقتصادية الأخرى.

باختصار، لا بد لمصرف لبنان ان يتحرك، وإن كان قد استنفذ كل أسلحته لضبط انهيار العملة الوطنية، باستثناء بعض الإجراءات السريعة ومحدودة الفعالية التي قد تخفض سعر الدولار مؤقتاً. فالحلول النهائية وفق شاهين، لا بد ان تكون اقتصادية على مستوى الدولة، بالتوازي مع الإجراءات النقدية.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةتحقيقات رياض سلامة: أربع مراحل لتبييض الأموال المختلسة
المقالة القادمةالدولار الجمركي ضرب “السلة الغذائية”: تطمينات الدولة فشلت