مع كلّ تأخير في الاستحقاق الحكومي نشهدُ ارتفاعاً في دولار السوق السوداء، وبات سعر الأخير يتأرجح على وقع زيارات الرئيس المكلّف سعد الحريري الى قصر بعبدا!
بورصةُ الدولار وارتباطها بتأليف الحكومة أمر بات مفروغاً منه اذاً، ومخاوف اللبنانيين كذلك باتت مشروعة، خاصة مع رسم صورة قاتمة للعام 2021 والحديث عن ارتفاع جنوني في سعر الصرف، بل اكثر من ذلك شح الدولار الى حد فقدانه بشكل كليّ، بما يُنذر بأسوء مرحلة اقتصادية مقبلة.
ماذا يقول خبراء الاقتصاد في هذا المجال، وكيف يفسّرون التهويل بارتفاع الدولار الى مستويات غير مسبوقة لا سقف لها؟ وأين تكمن الحلول؟
الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، أكّد في حديث لـ “ليبانون ديبايت” ان “اللبنانيين كانوا يعيشون في ظل اقتصاد حرّ فعلياً ويمارسونه في جميع معاملاتهم الاقتصادية والمعيشية، أما اليوم فقد باتوا مكبّلين من خلال اقتصاد موجّه ولكن ليس من قبل الدولة فتدخّل الاخيرة يقتصر على الدعم فقط، ومن يحرّك الاقتصاد هو العامل السياسي “المافياوي”، لجهة تدخّل اجندات خارجية اضافة الى مافيات محلية تلعب بالاقتصاد وتسيء له”.
وأضاف: “اليوم ما بين 60% و70% من المعاملات التجارية تتم وفق سعر صرف 1500 ل.ل وسعر صرف المنصة الالكترونية اي بحدود 4000 ل.ل، إلّا ان الحديث عن رفع او ترشيد الدعم يعني توقّف “المركزي” عن اعطاء الدولار، وسيكون الاتجاه نحو ازدياد الطلب على الدولار، وردة الفعل الطبيعية ستكون بشكل تلقائي رفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والذي بدوره سينعكس انخفاضاً في الاستهلاك”.
مَن يُثير هواجس ارتفاع الدولار؟ وما هي أسبابه؟
رأى عجاقة ان “الاقتصاد ممسوك في هذه المرحلة من قبل لاعبين خارجيين ومافيات محلية، من مصلحتها إثارة رعب المواطن لضخّ مزيد من الفوضى في سبيل تحقيق مُبتغاها ورفع سعر الدولار”، معتبراً انه من “الاجدى البحث في الشق السياسي للحل فالجانب النقدي هنا سيكون ضحية”.
عجاقة تحدّث في هذا الاطار عن ظاهرة اقتصادية وصفها بـ “الخطيرة”، معتبراً ان السكوت عنها يُعدّ جرماً بحق اللبنانيين، خاصة وان ديناميكية الفقر في لبنان تتدحرج بشكل سريع، فبرأي عجاقة ان “التّجار عندما يحصلون على دولار مدعوم من جهة، من اموال المودعين انفسهم، ويحصلون على كهرباء وبنزين مدعومين، ويعتمدون في معاملاتهم التجارية في البيع للمواطن اللبناني على سعر صرف الدولار بقيمة 8000 وما فوق، هذه العملية تؤدي الى نقل الثروات من عامة الشعب الى فئة هؤلاء “التجار”، كما ان فرق السعر الذي يحصلون عليه (6500 ل.ل تقريباً) يمر بعلم وزارة المال التي لاتحرك ساكناً! وهو أمر يُنذر بانهيار الامور الى الأسوأ في السنوات القادمة، خاصة وأن أرقام البنك الدولي لناحية تصنيف مستوى الفقر في لبنان واضحة في هذا المجال، والارقام ما بين عامي 2019 و2020 تشير الى ارتفاع نسبة الفقر “المدقع” في لبنان من 8،1% الى 23،2%، كما ان الطبقة المتوسطة انحدرت من 45% الى 35%”.
ودعا عجاقة الى ضرورة اتخاذ اجراءات سريعة لانقاذ هذا الوضع والحدّ من الممارسات الاقتصادية المتفلتة فـ “سعر صرف الدولار من خلال هذه المنظومة المتحكّمة يتّجه نحو ارتفاع بشكل مُطّرد الى مستويات غير منطقية!”.
واذ اعتبر الدكتور عجاقة ان التكهّن بما سيكون عليه دولار الايام المقبلة كضرب من ضروب “التنجيم”، اكّد ان الحلّ السياسي هو السبيل الوحيد لانقاذ الوضع، وبإمكان حكومة تصريف الاعمال بكل بساطة اتخاذ قرار بمنع “الفوترة” بالدولار”، واعتماد الليرة اللبنانية كعملة رسمية في المعاملات التجارية، كما ان الحلول المالية والاقتصادية والنقدية موجودة ولكنها تحتاج اولاً واخيراً الى قرار سياسي”.