كتب الخبير المالي دان قزي عدة مقالات صحافية في جريدتي النهار والأخبار قبل اندلاع الأزمة في لبنان بأشهر طويلة. وكان بين أول من انتبه بعلمه المصرفي الى أن الدولارات المسجلة في حسابات المودعين لم تعد كلها موجودة.
ومما قاله على سبيل المثال لا الحصر في 5 آب 2019: “سيصبح كل دولار نقدي او خارج لبنان يساوي 3 الى 4 دولارات في البنوك اللبنانية”، مؤكداً على سبيل الوصف والشرح ان “الدولار الموجود في حساباتنا سيصبح بمثابة نقود لعبة المونوبولي. نستطيع ان نكتب بها شيكات تنقل الملكية من لاعب الى آخر، ولكن لا نستطيع استعمالها خارج اطار اللعبة أو تحويلها الى اوراق نقدية”.
ويلفت النظر الى دراسة اجرتها مؤسستا “أوكسفورد ايكونوميكس” و”هافر أناليتيكس” استناداً الى أرقام رسمية، بينها أرقام مصرف لبنان، انه ومنذ العام 2017 بدأت تلك الظاهرة السلبية تطل برأسها في موازاة دخول الودائع في خانة النمو السلبي، اذا استثنينا تراكم الفوائد الذي تحول الى ارقام وهمية.
لا بل يذهب قزي الى ما قبل ذلك التاريخ ويلقي باللائمة على اجراء مقاصة دولار في لبنان بدلاً من نيويورك. ويرقى ذلك الى سنوات طويلة قبل الأزمة، عندما طلب مصرف لبنان هذا الاستثناء وحصل عليه، ما شجع على تداول دولارات أحياناً لم تكن موجودة عملياً! علما بأن المرور بمقاصة نيويورك لا يسمح بذلك بتاتاً، فلا تجري مقاصة او تحويل الا بناء على حسابات مليئة تقابلها.
ويشرح قزي أكثر المرحلة التي تدمرت فيها الودائع مشيراً الى العام 2016، عام الهندسات المالية التي ابتدعها مصرف لبنان وشفط بموجبها دولارات ذهبت في وجهات ضياع وهدر، واعطى مقابلها فوائد بنسب باهظة بلغت أكثر من 31%، فتضاعفت المبالغ في نحو سنتين ونصف السنة، والفرق بين الأصل والرقم المسجل كان دولاراً وهمياً.
إندلعت الأزمة في 17 تشرين الاول 2019. وبدأت نبوءات قزي تتحقق، وهي ليست بنبوءات بل قراءات استشرافية علمية تحققت توقعاتها. أما كيف خطر بباله تسمية الدولار اللبناني الوهمي بـ”اللولار”، فتلك قصة يرويها استناداً الى جلسة بينه وبين عضو مجلس ادارة احد المصارف وهو من عائلة بيروتية عريقة. وذلك بعد اندلاع الثورة، وربما كان الاجتماع في تشرين الثاني 2019 على الأرجح. وتداول الاثنان في الموضوع لأنهما متفقان على أن ما كان متوقعاً من كليهما اصبح حقيقة واقعة، لا سيما بعد اقفال المصارف ثم تقنين السحوبات.
لا يذكر قزي من صاحب التسمية أكان هو أو صديقه المصرفي، إذ طرحت بينهما عدة تسميات الى ان استقر الرأي على “اللولار”. ولأن شر البلية ما يضحك، دمجا بين “لول” و”دولار” و”ليرة”، وخرجت التسمية العبقرية المضحكة المبكية الى النور.
شرع قزي في استخدام الكلمة في مقابلاته التلفزيونية الكثيرة التي خصصها لزيادة وعي الناس بما حصل وما سيحصل. أخذ على عاتقه في مدى اشهر طويلة تبسيط المفاهيم المالية والمصرفية لجعلها بمتناول عموم الناس. وبالفعل، أسهم مع غيره من الخبراء الماليين والاقتصاديين بزيادة الوعي المالي. والأهم من ذلك، انه شرح المسؤوليات ووزعها بين المصارف ومصرف لبنان أولاً ثم الدولة والناس ثانياً.
تسمية اللولار باتت شائعة جداً، وتستخدم على ألسنة وزراء ومسؤولين ومصرفيين وفي مصرف لبنان، وفي فواتير وميزانيات مصارف وشركات. واستخدمت الكلمة في تقارير صحافية غربية لا سيما في “وول ستريت جورنال” و”فاينانشال تايمز”، كما في الصحافة الالمانية. ودخلت في سياق مفردات في ويكيبيديا وغيرها من الموسوعات المتخصصة وغير المتخصصة حتى شاعت كثيراً على ألسنة عموم الناس.