تراقب الأوساط التجارية العالمية الإغراءات التي يقدمها تعاظم نشاط دبي كمركز لتداول السلع والطاقة مما جعلها تخطف الأضواء من أماكن أخرى كانت لسنوات طويلة هي النقطة الرئيسية في التعاملات، الأمر الذي ينبئ بتشكل خارطة جديدة لأعمال هذا المجال.
رصد محللون في الفترة القليلة الماضية اقتفاء تجار السلع في لندن أثر البعض من أقرانهم السويسريين إلى دبي، حيث تنتقل الإمارة من كونها نقطة محورية لتجارة النفط الخام إلى مركز رئيسي لتجارة الطاقة.
ولطالما عمل المسؤولون في دبي على جذب المزيد من شركات السلع إلى سوق الإمارة المزدهر، وأيضا الاستثمار في البنية التحتية المصرفية، وتطوير العقود الآجلة المتداولة في البورصة المحلية.
وساعدت هذه الجهود في إحداث تحول ملحوظ بعد الحرب في شرق أوروبا، إذ سارع العديد من تجار المواد الخام الروسية إلى إنشاء أعمال تجارية في الإمارة الخليجية، حيث جعلت عقوبات الاتحاد الأوروبي والسويسرية من الصعب عليهم التعامل مع موسكو.
وبينما تتمتع لندن بحضور أكبر في تداول السلع الأساسية وتجاراتها حتى مع المنغصات التي تسبب فيها الطلاق الأوروبي (بريكست)، فإن المزيد من تجار الطاقة ينتقلون الآن من عاصمة المملكة المتحدة إلى دبي أو يوسعون أعمالهم في الإمارة.
ويتعقب تجار لندن مجموعة متزايدة من نظرائهم بفضل مغريات الضرائب المنخفضة التي تقدمها دبي، في وقت يحصل فيه التجار أنفسهم على مكافآت غير مسبوقة.
وتقدم الإمارة أيضا مزايا أخرى لنمط الحياة، وهو أمر أصبح مهما بشكل متزايد لجذب أفضل المواهب من خلال إصدار تأشيرات تمتد إلى عشر سنوات أحيانا للتشجيع على تنمية الاستثمارات والمساهمة في بناء اقتصاد أكثر قوة ومتانة واستدامة.
ويبرز الوضع الجديد في حين يمر نظام التجارة العالمي بتحولات كبيرة من شأنها أن تعيد رسم حركة سلاسل التوريد لعقود مقبلة، حيث يقول خبراء إن المسؤولية عن ذلك تعود إلى محركين أساسيين هما الشركات والحكومات.
وقالت مصادر مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هوياتها، لوكالة بلومبرغ إنه “خلال 2022، كانت شركة هارتري بارتنرز وفريبوينت كوموديتس من بين أولئك الذين نقلوا تجار الطاقة وكبار المدراء التنفيذيين إلى دبي”.
ولفتوا إلى أن هذا التحول يوضح أن المراكز التجارية التاريخية مثل لندن بدأت تفقد مكانتها مع الجاذبية المتزايدة للإمارة.
ويأتي ذلك ضمن طفرة أوسع في دبي، ودولة الإمارات عموما، والتي تستفيد من تدفق الثروات الأجنبية، حيث أدى وصول مليونيرات العملات المشفرة والمصرفيين، الذين ينتقلون من آسيا والروس الأثرياء، الذين يحمون أصولهم إلى تعزيز أسعار العقارات.
ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحد فحسب، بل تسربت تلك الأسعار إلى كل مظاهر الحياة المعيشية للسكان والمقيمين، فقد باتت المعيشة أكثر كلفة.
ووفق بيانات وكالة هومز العقارية الرائدة في دبي يعدّ البريطانيون والهنود والفرنسيون والإيطاليون من بين المستثمرين الرئيسيين في الإمارة، إذ لديهم أعمال متنوعة في شتى المجالات بما فيها نشاطات ذات قيمة مضافة.
وعلاوة على ذلك يسعى رواد أعمال وموظفون ومشاهير لإيجاد مساكن للاستقرار في دبي، لاسيما بعد تخفيف القيود التي فرضت لاحتواء الجائحة والتشجيعات التي تقدمها حكومة الإمارة وفق إستراتيجية طموحة لتعزيز مؤشرات النمو خلال السنوات المقبلة.
وقال جوناثان فونيل الشريك في شركة سيدلي ماريون للبحث عن المدراء التنفيذيين “لقد رأينا صناديق تحوط معروفة افتتحت مؤخرا مكاتب في دبي بالإضافة إلى تجار سلع مستقلين”.
وأضاف أن “الحوافز الضريبية واضحة، لكن بالنسبة إلى البعض هناك شعور بأن دبي في وضع جيد لتصبح مركزا رئيسيا لتجارة السلع الأساسية”.
وغازلت دبي شركات السلع الأساسية لعقود من الزمن، وأنشأت منطقة تجارة حرة في عام 2002. ومنذ ذلك الحين أدخلت عقود النفط والذهب، بينما زادت البنوك الإقليمية عروضها لتمويل التدفقات التجارية.
ويمكن للشركات التي تتاجر مع المنتجين الروس أن تفعل ذلك هناك دون العقوبات الغربية التقييدية المفروضة في أماكن أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو سويسرا أو الولايات المتحدة.
وبالنسبة إلى متداولي الطاقة والغاز الأوروبيين، تعني المنطقة الزمنية عدم البدء في الصباح الباكر مع وجود فرصة للاحتفاظ بمزيد من الأرباح في وقت يشهد فيه القطاع ازدهاراً.
كما تستفيد دبي من قربها من بعض أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، بما في ذلك السعودية وأبوظبي وقطر. ومع ذلك، وبصفتها مركزاً لتجارة السلع، فإنها تظل أصغر بكثير من أماكن مثل لندن وسنغافورة وجنيف وستامفورد.
وأشارت المصادر إلى أن شركة هارتري تُعتبر مثالا على الانتقال إلى دبي حيث تقوم بتوسيع مكتبها هناك ليضم عشرين موظفا بدلا 12 فقط سابقا، بما في ذلك أشخاص من لندن.
وكذلك اتخذ بعض أعضاء فريق الطاقة الأوروبي التابع للشركة هذه الخطوة بالفعل بما في ذلك رئيس مكتب الطاقة بريندان ميكوك. ومن المتوقع أن يتبعه تجار الغاز.
وتتوسع فريبوينت أيضا وهي شركة تجارة سلع أساسية في المنطقة. وكان مايكل والتر المدير العام الأول مقيما سابقا في لندن، لكنه بدأ العمل في الإمارة.
وشرع أندريه دفورتسكي الذي كان يعمل سابقا في شركة فاتنفول أي.بي السويدية، العمل في فريبوينت كمتداول رئيسي للطاقة في دبي في أبريل الماضي، وفقاً لملفه الشخصي على لينكد إن.
والطريقة التي يتم بها تداول الطاقة والغاز في أوروبا تعني أيضا أن التاجر ليس بحاجة إلى عدد كبير من الأشخاص الموجودين فعليا في القارة.
وقال أندرس بورسبورغ-سميث العضو المنتدب في بوسطن كونسلتنغ غروب إنه “يمكن إجراء تداول الغاز والطاقة بشكل خاص بدرجة كبيرة من المرونة الجغرافية، نظراً للطبيعة الرقمية العالية للأعمال”.
وكانت هناك تحركات مماثلة لتجار النفط، حيث أكدت المصادر أن ياوياو ليو أحد متداولي المشتقات لمجموعة فيتول غروب، كان مقره سابقاً في لندن، ولكنه الآن يتداول خارج مكتب الشركة في دبي، في الوقت الذي يقع مكتب فيتول الإقليمي في البحرين.
وقال إيان لويت الرئيس التنفيذي لمجموعة ماريكس للسمسرة ومقرها لندن إن “هناك اهتماما كبيرا من شركاتنا في إرسال الأشخاص إلى دبي”.
وأضاف “بالنسبة إلينا ستصبح مركزا مهما، حيث ينتقل العملاء إلى هناك، وهناك لاعبون كبار في السلع من المنطقة”.