دخول السفارات الأجنبية على خط الأزمة المصرفية مشهد قد يُغيّر المعادلة المستقبلية

سرق وهج «الكابيتال كونترول» الزائف، «لهيب» دخول بعض حكومات الدول الأجنبية على خط الأزمة النقدية والمصرفية. فبعد نحو عامين ونصف العام من وقوفها على الحياد، لم يعد الصمت ينفع في وجه استفحال الممارسات الاستنسابية لبعض المصارف، التي وصلت حد التمييز بحسب الجنسية. تطور قد يدخل الصراع القضائي بين المودعين والمصارف في منعطف جديد أشد خطورة. خصوصاً مع الفشل في التوصل إلى ضوابط موقتة وعادلة واستثنائية على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية.

في 25 آذار الحالي، أي يوم تسريب مسودة اقتراح قانون «الكابيتال كونترول»، أصدرت السفارة البريطانية في بيروت بياناً حول قرار المصارف اللبنانية بإغلاق الحسابات المصرفية الخاصة بالمواطنين البريطانيين والمقيمين. معتبرة أن هذا الإجراء الأحادي الجانب، الذي اتخذته المصارف في تحديد أصحاب الحسابات على أساس إقامتهم أو جنسيتهم البريطانية، يبدو أنه ممنهج وقائم على التمييز». وأمام هذا التطور «المقلق» بحسب بيان السفارة، قام السفير إيان كولارد بلقاء المعنيين في الملف بدءاً من رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان، مروراً بجمعية المصارف ورابطة المودعين، وصولاً إلى كبار ممثلي بعض المؤسسات المصرفية ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف، مطالباً بمعاملة جميع المودعين معاملة مناسبة وعادلة، وعدم تمييز المصارف اللبنانية بين أصحاب الحسابات على أساس جنسيتهم البريطانية أو إقامتهم البريطانية». كما وضعت السفارة لائحة بالممثلين القانونيين – الذين يتكلمون اللغة الانكليزية لمساعدة المودعين الذين يواجهون مشاكل، من دون أن يعني ذلك بحسب بيانها أن هذه الخدمة تؤمنها السفارة».

بحسب المعلومات المتوفرة وصل عدد الحسابات المقفلة بعد حكم القضاء البريطاني لصالح مودع لبناني، إلى نحو 50 حساباً. 90 في المئة تعود إلى مودعين في بنك عوده، و10 في المئة لمودعين في بنك لبنان والمهجر. فالاخير حصر إقفال الحسابات بالمواطنين البريطانيين المقيمين في بريطانيا، بينما شملت إقفالات بنك عوده كل حامل للجنسية البريطانية في الداخل والخارج. خطورة الإجراء المتخذ من المصرفين بحق المودعين، «يتخطى التمييز بحسب الجنسية، ومخالفة معاهدات حقوق الانسان المصادق عليها لبنان والتي يكفلها في دستوره»، بحسب عضو رابطة المودعين هادي جعفر، «ليطال التعسف في إقفال الحساب، وخرق السرية المصرفية، من خلال تعمد المصارف وضع الشيكات بالحسابات المقفلة لدى الكاتب العدل». ويضيف جعفر أن «الرابطة قامت برفع 9 دعاوى لإبطال العرض والإيداع أمام المحكمة الإبتدائية في بيروت، ولاعادة فتح الحسابات أمام قاضي الأمور المستعجلة في الدائرة القضائية نفسها. وذلك انطلاقاً من حرصها على الدفاع عن حقوق جميع المودعين في المصارف اللبنانية».

البيان الصادر عن السفارة البريطانية في بيروت، على أهميته، يعني «تبليغها بشكل دبلوماسي السلطات السياسية والنقدية بحالة الازعاج التي تسببت بها الاجراءات المصرفية»، من وجهة نظر جعفر، «لكنه لم يتضمن إشارة واضحة إلى دور الحكومة البريطانية المرتقب للدفاع عن مواطنيها، بل فقط إرشادهم إلى طلب المساعدة القانونية في لبنان». والسبب برأيه قد يكون «توخي الحكومات الاجنبية الحذر في هذه المرحلة بكيفية التعاطي مع الملف المصرفي اللبناني بسبب حجمه التضخم، وتشعباته الكثيرة، وارتداداته الآخذة في التوسع في الداخل والخارج. ولا سيما مع بدء القضاء الأجنبي إصدار الاحكام لصالح المودعين، والتضييق على حاكم مصرف لبنان من خلال ما شهدناه من تجميد أصول في اوروبا بقيمة 130 مليون دولار اميركي». إلا انه في جميع الحالات فان القيمة المعنوية للبيان تبقى في فضحه لممارسات المصارف التي تجهد لتسويق نفسها على أنها ملتزمة بالقوانين المحلية والدولية ولا تخالفها».

الفشل الذريع في الاتفاق على قانون «الكابيتال كونترول» وضع المصارف بين حجري الرحى لـ»طاحونة» الأزمة، وزاد الضغوط على الاقتصاد، ومن خلفهما على الاقتصاد. فـ»إعادة فتح الحسابات بعد السابقة القضائية البريطانية، وفي ظل غياب قانون لـ»الكابيتال كونترول» سيمطر المصارف بالدعاوى من كل حدب وصوب»، بحسب أحد المصادر المصرفية. ومن المستبعد أمام الضغط المتواصل أن يستمر بعض القضاء في رفض الدعاوى، أو حتى تجميدها كما حصل مع قضيتي الحجز على أصول فرنسبنك ومنع بعض المصارف من التحاويل إلى الخارج. ومن الجهة الأخرى فان خطورة البت بالدعاوى لصالح المودعين لا تقتصر على خطر الافلاس، إنما أيضاً تعريض مجموعة كبيرة من المودعين لضياع حقوقهم مقابل حصول البعض على حقوقهم كاملة. وعليه فان أحسن الخيارات مُرّ بالنسبة للمصارف. وهو الامر الذي يتطلب من وجهة نظره «إقرار قانون عادل للكابيتال كونترول، من ضمن الخطة الاصلاحية الشاملة». وهذا أيضاً ما لحظه بيان السفارة البريطانية حيث شدد على مطالبة الدولة اللبنانية بـ»اعتماد الإصلاحات الاقتصادية الأساسية المتأخرة. فمن دون هذه الإصلاحات التي تمثل الطريق الوحيد لإعادة بناء اقتصاد لبنان، يستمرّ الاقتصاد بانحداره المباشر. الامر الذي ينتج عنه تداعيات جدية على المودعين جميعهم».

من جهتها تشدد رابطة المودعين على أن «لا ملاذ للمودعين إلا القانون، ولا ملاذ للمصارف أمام القانون». وعليه فهي مستمرة بتحضير عشرات الدعاوى بحق المصارف بعدما كانت قد تقدمت بأكثر من 300 دعوى قضائية منذ بدء الازمة، منها دعاوى في الخارج بالتعاون مع منظمة «المحاسبة الآن» accountability now. وبحسب هادي جعفر فان «القضاء مطالب أكثر من أي وقت مضى بالحكم لصالح المودعين، ليس لأنهم أصحاب حق فحسب، إنما لتعزيز الثقة بالقضاء والنظام المصرفي على حد سواء. فالاستمرار بتجميد أو تمييع أو رفض الدعاوى من أجل حماية بعض العائلات المصرفية، سيفوت على لبنان فرصة دخول مستثمرين جدد. إذ من المستحيل على أصحاب الرساميل وضع أموالهم في بلد لا يحكم قضاؤه لاصحاب الحق، كما أن المتمولين لن ضعوا أموالهم في المصارف اللبنانية إذا كان القضاء عاجزاً عن إنصاف المودعين».

بيان السفارة البريطانية في بيروت قد يكون أول الغيث، لتعود وتتبعه إجراءات عقابية بحق المصارف والمصرفيين في حال استمرت الممارسات التعسفية والتمييزية. الامر الذي يفتح الأزمة النقدية على آفاق أكثر خطورة في الفترة القادمة.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةهل من تعديل في سعر ربطة الخبز؟ هذا ما كشفه سلام
المقالة القادمةخُطَط التَنافي وليس التَعافي