الحرمان من الرعاية الصحية، الحرمان من الحصول على الأدوية، الحرمان من التعليم، الحرمان من السكن، الحرمان من الكهرباء، الحرمان من الوصول إلى المدّخرات والودائع، الحرمان من العمل… كلها من ضمن العوامل التي أدّت إلى «تضاعف نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان من 42% في عام 2019 إلى 82% من مجموع السكّان في عام 2021. وبلغ عدد السكّان الذين يُعانون من الفقر المتعدّد الأبعاد 4 ملايين نسمة تقريباً، يُمثّلون نحو مليون أسرة، بينها 77% من الأسر اللبنانية، أي ما يوازي 745 ألف أسرة لبنانية». الأرقام المأسوية وردت في دراسة أعدّتها «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ــــ إسكوا» تحت عنوان «الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان، واقع أليم وآفاق مُبهمة». وذكرت أنّ 74% من السكان يُعانون من الفقر، «كانت النسبة 55% في العام السابق، و28% سنة 2019».
مفهوم «الفقر المُتعدّد الأبعاد» لا يقتصر فقط على الفقر المادي، أو مستوى الدخل للفرد، بل يشمل جوانب معيشية أخرى تُعدّ أساسية لقياس مدى انتشار حالة الفقر: التعليم، الصحة، الخدمات العامة، الأصول والممتلكات، العمل والدخل…. الخطير في الموضوع أنّ نسبة الأسر الفقيرة المحرومة من الرعاية الصحية ارتفعت من 9% سنة 2019 إلى 33% في العام الحالي، «ويُخشى أن يزداد الوضع سوءاً إذا رُفع الدعم، ولا سيما أنّ 55% من السكّان ليسوا مشمولين بأي شكل من أشكال التأمين الصحّي». بالإضافة إلى ذلك، 52% من الأسر «غير قادرة على الحصول على الدواء». في قطاع التعليم، يبلغ معدّل الفقر المتعدّد الأبعاد 63% في التعليم الجامعي و87% «بين الطلاب ذوي أدنى مستويات التحصيل العلمي». وارتفعت نسبة كبار السن الذين يُعانون من الفقر المتعدد الأبعاد من 44% سنة 2019 إلى 78% سنة 2021.
تضاعفت نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان، لتتضاعف معها نسبة الفقر المدقع المُتعدد الأبعاد إلى 34% من مجموع السكان، «أي مليون و650 ألف نسمة، ما يوازي 400 ألف أسرة». لا يبقى سوى 210 آلاف أسرة فقط تعيش في لبنان غير فقيرة… «يُمكن لذوي الثروات في لبنان ونسبتهم لا تتجاوز 10% من مجموع السكان تسديد كلفة القضاء على الفقر من خلال تقديم مساهمات سنوية لا تتعدّى 2% من ثرواتهم». انطلاقاً من هنا، توصي «إسكوا» في دراستها بـ: إنشاء صندوق وطني للتضامن المجتمعي، وضع خطط فعّالة للحماية الاجتماعية، تعزيز نظم الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها لتشمل العاطلين عن العمل، دعم الأدوية المحلية الصنع، وضع خطة لزيادة إنتاج الكهرباء، دعم الطاقة المتجددة ووضع خطة إنقاذ وطنية للنهوض بالقطاع الخاص.
استقالة الدولة من ممارسة دورها، وإسقاط السلطة السياسية أيّ محاولة لوضع حدّ للانهيار، ورفض تحميل الكلفة لمن تسبّب بها، أنتجت هذه الأرقام. هي إبادة غير عسكرية تُمارَس بحقّ السكان في لبنان، وتحديداً الفقراء ومن كان ينتمي منهم إلى الطبقة المتوسطة. كلّ ذلك في سبيل إنقاذ مصرف لبنان وأصحاب المصارف والعائلات الاحتكارية وكبار المودعين وكلّ من استفاد من المنظومة.