دعاوى إلغاء زيادة تعرفة الاتصالات: صفحة طويَت؟

تتجذّر تعرفة الاتصالات الجديدة شيئاً فشيئاً عَمَلاً بقاعدة أن “الناس سيعتادون”. فالحكومة أقرّت التعرفة بناءً على اقتراح وزير الاتصالات جوني القرم، وجرى التوافق عليها تحت شعار إما رفع التعرفة أو انهيار القطاع. حتّى أن مَن يحاول إيهام الناس بأنه تحفَّظَ على الزيادة في مجلس الوزراء، إنما وافق عليها في الحقيقة، ولم يعارض أو يتحفَّظ أحدٌ. ومع أن لجنة الإعلام والاتصالات ناقشت التعرفة مع الوزير، في جلسة اتّخذت طابع المساءَلة، إلاّ أن نتائجها لم تكن على قدر التوقّعات، فبقيت عملية رفع التعرفة هي النتيجة الحتمية، ولم يخرقها سوى دعاوى إبطال مقدّمة إلى مجلس شورى الدولة، وقد لا تؤتي ثمارها.

لا تراجع

يُنظَر لدعاوى الإبطال التي باتت في عهدة مجلس شورى الدولة، على أنها مركب الخلاص. لكن في الواقع، تقلّل مصادر في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، من احتمال أن يُبطِل المجلس قرار الحكومة ويُعيد التعرفة إلى السعر الرسمي. فقرار رفع التعرفة اتّخذ بمباركة كل القوى السياسية، مما يجعل جلسة المساءلة التي أجرتها اللجنة يوم الإثنين 4 تموز، بمثابة جلسة فلكلورية، استعرض خلالها رئيس اللجنة النائب إبراهيم الموسوي “تحفّظ وزراء حزب الله على القرار”. وهو إذ “نوَّه”، بأن قطاع الاتصالات “شبه منهار، وإذا لم تتخذ إجراءات شبه سريعة لإنقاذ هذا القطاع فسيكون الواقع أكثر صعوبة”، فإنّه بالتالي يدعم نهائية القرار.

وتؤكّد المصادر في حديث لـ”المدن”، أن اللجنة ومجلس النواب “لا يمكنهما مساءلة الحكومة بشكل فعلي حالياً، ولا يمكن طرح الثقة بها، بوصفها حكومة تصريف أعمال”. وتضيف، أن قرار رفع التعرفة “بيدّ الحكومة وليس مجلس النواب، والحكومة اتّخذت قرارها. أما من يروّج اليوم لمعارضته للقرار، فهو سمّى رئيس الحكومة التي اتّخذت القرار، لتشكيل الحكومة الجديدة، أي أنه يجدّد للنهج نفسه”. وتجزم المصادر أن “لا حلّ إلاّ بإبطال مجلس شورى الدولة للقرار، مع أن ذلك مستبعد”.

ولأن الأعمال بخواتيمها ولا محاسبة على النوايا وإنما الأفعال، ينتظر الموسوي “أجوبة أخرى” من وزير الاتصالات، حول إمكانية “تخصيص شيئ لتخفيف العبء عن المواطنين”. لكن بما أن الموسوي يجيب نفسه سريعاً بأنه “بكل صراحة ليس هناك ما يمكن أن نقدمه كحل لهذه الأزمة”، فإن هذا الملف أصبح بحكم المقفل.

نصف الكلفة

في الوقت نفسه، يطوي القرم صفحة النقاش حول التعرفة. وبرأيه “جرّبت كل الاحتمالات لحماية مَن يقبضون بالليرة ومَن لديه أرصدة مخزّنة بأقل من 300 دولار، لكن نظام الفوترة لا يقبل معادلتين في الوقت نفسه”، أي معادلة لدولرة رصيد من يملكون أقل من 300 دولار، وهم يشكّلون 20 بالمئة من المشتركين، ومعادلة أخرى لمن يملكون أكثر، وبعض هؤلاء “يخزّن أكثر من مليون دولار على السعر الرسمي. وهناك نحو 450 مليون دولار مدفوعة سلفاً في السوق”.

وفي حديث لـ”المدن”، يشرح القرم أن التعرفة الحالية عادلة قياساً على سعر الدولار. أما عن تطبيق تحويل الأرصدة بمفعول رجعي، فيشبّه القرم العملية بـ”شخص لديه قسيمة شرائية بقيمة 1000 دولار من أحد المتاجر، وصالحة حتى نهاية العام. وقبل ذلك الوقت، ارتفعت أسعار السلع، فهل يطالب حامل القسيمة بشراء السلع وفق السعر القديم الذي كان معتمداً عند إصدار القسيمة؟”. وبرأي القرم أن “أصحاب الأرصدة السابقة المقوّمة بالليرة، ما زالوا يحملون أرصدتهم كما هي، لكن قدرتها الاستهلاكية تراجعت”. ويحسم القرم أن “لا يوجد خيارات أخرى”.
في المقابل، يرمي القرم المسؤولية على السياسات التي كانت متّبعة سابقاً، والتي اوصلت القطاع إلى ما هو عليه. فالتعرفة التي كانت معتمدة قبل الانهيار “كان يجب أن تنخفض إلى النصف”.

اجتهادات في التعرفة

ما زالت الشريحة الأوسع من اللبنانيين لم تستغ بعد رفع تعرفة الاتصالات. بل يصل امتعاضها إلى حد الرغبة في انهيار القطاع بدل تحميلهم كلفة الحفاظ عليه. ويزداد الامتعاض مع الاجتهادات التي تقدّمها شركتيّ الخليوي تاتش وألفا، ومنها تقنين تأمين البطاقات المسبقة الدفع وتضمين فواتير الخطوط الثابتة أكلافاً إضافية عن خدمات أجريت في شهر تموز، أي وفق التعرفة الجديدة.

فعلى صعيد البطاقات، ما زال الموزّعون يشكون ضآلة الكميات المتوفرة. ويحصلون على البطاقات يوماً بيوم، ما يقلّص قدرتهم على تلبية طلبات الزبائن. ومن ناحية ثانية، تبرّر الشركتان ارتفاع الفواتير بأن كلفة الفاتورة لشهر حزيران احتُسِبَت وفق السعر الرسمي، فيما “الإشتراك الشهري والخدمات عن شهر تموز، احتسبت على التعرفة الجديدة وفق سعر منصة صيرفة”. وبالتالي، تستند الشركتان إلى أن التعرفة الجديدة خفّضت التعرفة بنسبة 67 بالمئة، وهي الحجّة نفسها التي استعملتها الوزارة لتبيّن أن الكلفة انخفضت. فيما الحقيقة مجتزأة، وهي أن الانخفاض حصل قياساً على الدولار، وليس الليرة.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةخطّة التعافي: توزيع أدوار ولا خلاف بين ميقاتي والشامي!
المقالة القادمةأزمة الدّواء واستفحالها… دراسة مقارنة مع دول المنطقة