دوامة الحرب تفاقم متاعب الاقتصاد اللبناني المنهك

تعكس المخاوف الدولية المتنامية من تعرض الاقتصاد اللبناني المشلول أصلا إلى المزيد من التآكل، وذلك بالنظر إلى انعكاسات تصاعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، أن البلد سيكون في طريق أكثر خطرا، ما قد يعمق معاناة الناس والأعمال ونشاط الشركات.

يسير الاقتصاد اللبناني في منحنى هبوطي أكثر من المتوقع هذا العام مع دخول الحرب بين حزب الله وإسرائيل منعطفا خطيرا بعدما تعرض البلد لهزات كبيرة منذ أواخر 2019 تدمرت فيه القدرة الشرائية للناس وانهارت الليرة وجمدت البنوك الودائع.

وتوقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الخميس تقلّص الاقتصاد اللبناني المنهك أًصلا بشكل إضافي هذا العام بسبب الظروف الجيوسياسية لاسيما التصعيد الراهن على خلفية الحرب في قطاع غزة.

وسيتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة واحد في المئة خلال السنة الجارية، بحسب ما توقع البنك الأوروبي، في تبدّل جذري عن تقديراته في مايو الماضي، حين رجّح تحقيق لبنان نموا طفيفا في 2024.

وقبل نشوب الصراع الحالي، كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد اللبناني لأول مرة منذ عام 2018 نموا بنسبة 0.2 في المئة خلال عام 2023، حيث بدا أنه قد بلغ قاعاً مؤقتاً بعد سنوات من الانكماش الحاد.

وكانت للحرب المتواصلة منذ نحو عام بين إسرائيل وحركة حماس، تداعيات اقتصادية كارثية على الدول المجاورة، وخاصة في ما يتعلق بالتجارة عبر سفن الشحن وحركة السفر وقطاع السياحة.

وفي الأيام الأخيرة، صعّدت إسرائيل من غاراتها الجوية على مناطق واسعة في لبنان، معلنة ضرب أهداف تابعة لحزب الله الذي كانت تتبادل وإياه القصف عبر الحدود منذ أكتوبر الماضي.

وقالت كبيرة اقتصاديي البنك الأوروبي بييتا يافورتشيك لوكالة فرانس برس إن “أيّ تصعيد سيلقي حتما بثقله على النمو”.

وبدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار قبل خمس سنوات بعد عقود من الإنفاق الحكومي المسرف والفساد، ولا يزال يعاني من ضعف شديد جراء تجميد القطاع المصرفي للودائع وارتفاع غير مسبوق في الأسعار.

ولكن البلد دخل مرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل، في وقت تتراجع فيه العملة المحلية إلى متوسط 89 ألفا أمام الدولار الواحد في السوق الرسمية، مقارنة مع 1500 ليرة قبل عدة سنوات.

وهذا التدهور في سعر الصرف جعل البلاد من أكثر دول العالم ارتفاعا في نسب التضخم خلال السنوات الأربع الماضية، بمعدل تجاوز 100 في المئة سنويا، وفق بيانات البنك الدولي.

وتسارع معدل التضخم منذ العام 2021 ليصل إلى أكثر من 231 في المئة بنهاية العام الماضي، مدفوعا بانخفاض سعر الصرف خلال النصف الأول من 2023 والدولرة السريعة للمعاملات الاقتصادية.

كما أن ودائع اللبنانيين تآكلت بفعل هبوط أسعار الصرف، وهو ما يعقد من قدرتهم على إدارة مصروفاتهم العائلية إن اتسع الصراع مع إسرائيل ليشمل عموم لبنان.

وأشار البنك الأوروبي للإعمار في تقرير إلى أن لبنان الذي يعاني منذ أعوام من انهيار اقتصادي وارتفاع حاد في التضخم، خسر أكثر من 40 في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي منذ عام 2018. وأكد أن “المأزق السياسي والجمود في إنجاز إصلاحات أساسية يواصلان عرقلة التعافي” الاقتصادي.

ومع ذلك، قال صندوق النقد الدولي الذي يراقب تأثير الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله على لبنان الذي يعاني من خسائر بشرية وتدمير في البنية التحتية إنه من السابق لأوانه تقييم التأثيرات الاقتصادية لهذا الصراع. ولكنه الصندوق أشار إلى أن الصراع الحالي يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الكلي والاجتماعي الهش بالفعل في لبنان.

ويخشى المسؤولون من أنه إذا طال أمد الحرب في الجنوب وتوسعت رقعتها، فإن الاقتصاد سيدخل في المجهول، بما أن الوضع الاقتصادي في لبنان منهك بالكامل، ولاسيما في ما يتعلق بالقطاع العام والمؤسسات الحكومية.

وفي شهر أبريل الماضي، قال وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، إن خسائر بلاده الاقتصادية جراء الحرب الجارية في غزة وجنوب لبنان “وصلت إلى 10 مليارات دولار”.

وما قد يفاقم مشاكل الناس، هو أن مخزون القمح المتوفر في السوق كاف لشهرين على الأقل، أي أنه أقل من المستويات المعيارية المتعارف عليها عالميا، رغم التطمينات، التي بعثت بها وزارة الاقتصاد اللبنانية الأسبوع الماضي بأن الوضع تحت السيطرة.

ودعت الوزارة “جميع المواطنين إلى تجنب التهافت على شراء الخبز أو الطحين بكميات كبيرة، حيث يتم تأمين إمدادات القمح بشكل منتظم لضمان استقرار السوق”. وزادت “تواصل الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية، لضمان استمرارية توافر هذه المواد الأساسية بشكل منتظم ودون أي انقطاع، وشحنات إضافية ستصل قريبا”.

وفي أغسطس الماضي عجزت الحكومة عن توفير فاتورة توريد الوقود المخصص لتوليد الطاقة الكهربائية، قبل أن تسارع الجزائر لمد البلاد بشحنة لتوفير الطاقة.

إلا أن ما جرى من عدم قدرة الحكومة على شراء الوقود يقدم صورة أوضح لعدم جاهزية الدولة في ما يتعلق بحالات الطوارئ، خاصة في حال اتساع نطاق الصراع مع إسرائيل ليشمل كل أنحاء البلاد.

وقبل اتساع نطاق التوتر بين حزب الله وإسرائيل كان القطاع الصحي في لبنان يعاني أزمة غير مسبوقة، وسط عجز الدولة عن توفير فاتورة واردات الأدوية بشكل كامل.

وخلال العام الماضي، أظهرت بيانات نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان، أن كلفة واردات الأدوية بلغت 550 مليون دولار، وهو مبلغ من الصعب توفيره لأن الفاتورة مقومة بالعملة الأجنبية، وسط شح وفرتها لدى البنك المركزي.

ويرى الخبراء أنه في حال استهدفت إسرائيل الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية، فإن الوضع سيؤول إلى الأسوأ، بسبب الخشية من تعرض قوافل الإمدادات الطبية والغذائية للقصف الإسرائيلي أيضا.

أما الوقود، سواء المخصص للمركبات أو لتوليد الكهرباء، فإن وفرته في السوق المحلية متذبذبة من شهر إلى آخر بسبب عدم توفر النقد الأجنبي الكافي لتلبية قيمة فاتورة الواردات، ما أدى في أكثر من مناسبة لظهور سوق سواء. وحتى قبل الصراع الحالي، تعتمد غالبية الأسر ومعظم الشركات على المولدات الصغيرة لعجز شبكة الكهرباء على توفير الطاقة على مدار اليوم.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةصناعة الشحن البحري تحاول تسريع جهود تنظيف أعمالها
المقالة القادمةكيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين التجارة الإلكترونية