دور المصارف في معالجة الأزمة الراهنة…

 

منذ بداية الحديث عن الأزمة الإقتصادية الراهنة، تصوّب الأسهم إلى ​المصارف​ التي تطالب بالمساهمة في المعالجة، الأمر الذي لم تتهرّب منه، على الأقل بحسب ما تعلن، لكنّها في المقابل تطالب بأن تقوم ​الحكومة​ بالإصلاحات المطلوبة منها على هذا الصعيد.

في هذا السياق، لدى مصادر مصرفيّة رؤيتها التي تكشف عنها، عبر “النشرة”، حيث تشير إلى أنّ ​الضرائب​ على ​القطاع المصرفي​ باتت مرتفعة جداً وتقارب في المتوسّط 30% من دخل القطاع، مقارنة مع معدّل الضريبة على أرباح الشركات أي 17%، وتؤكّد أنّ ازدياد حصّة القطاع في التحصيل الضريبي، وبالتالي مساهمته في الايرادات العامّة بهذا الشكل الكبير، يجب أن يكون قدوة لسائر المؤسّسات العاملة في البلد فتساهم بما يتلاءم مع حجمها ب​الاقتصاد​.

وتوضح المصادر نفسها أنه إستناداً إلى بيانات وزارة الماليّة بلغت ضريبة الدخل على الأرباح (شركات ومؤسسات فرديّة ومهن حرة) ما مقداره 1143 مليار ليرة في العام 2016 و915 مليار ليرة في العام 2017. بعد استثناء ضريبة الهندسات الماليّة غير المتكرّرة. وقد بلغت حصّة المصارف من ضريبة الدخل هذه 776 ملياراً في العام 2016، أيّ ما نسبته 68% و663 ملياراً في العام 2017، ما نسبته 72%. مع العلم أنّ مساهمة المصارف في الناتج المحلي الإجمالي، أي في اجمالي الدخل من أرباح وأجور وغيرها هي فقط 6% تتوزع بين أرباح المصارف (4.5%) وأجور العاملين فيها (1.5%).

وتشدد هذه المصادر على أن هذا هو كدليل واضح على أن المصارف تؤدي ضريبتها بشكل كامل وشفّاف، مع اعتمادها قواعد المحاسبة العالميّة السليمة وخضوعها لرقابة شركات التدقيق العالميّة ولرقابة السلطات النقديّة والرقابيّة، إلا أنّها ترى أنّ هذا الواقع يؤشّر إلى حجم التهرّب الضريبي والتقصير في استيفاء حقوق الخزينة.

بالإضافة إلى ذلك، تشير بيانات وزارة الماليّة إلى أنّ ضريبة الدخل على الفوائد بلغت 819 مليار ليرة و904 مليارات ليرة في العامَيْن 2016 و2017 على التوالي. وجاءت حصّة المصارف منها 299 مليار و313 مليار تباعاً، أي 36.5% و34.6%، كما ارتفعت قيمة المحصّل من المصارف وحصّتها في العام 2018 بشكل ملحوظ بسبب رفع الضريبة إلى 7% بدل 5% وبسبب توسيع نطاق هذه الضريبة، لتشمل كافة ايداعات المصارف لدى مصرف ​لبنان​، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الفوائد في السوق اللبنانية.

وفي حين تساهم المصارف بحوالي ثلث ما هو محصّل من ضريبة الدخل على رؤوس الأموال المنقولة (توزيع أرباح/، مخصصات…)، إضافة إلى حصتها من الضرائب والرسوم على الأملاك المبنيّة وعلى القيمة المضاقة والتي هي بحدود 5% من إجمالي المحصل، بحسب ما تؤكد المصادر عينها، تساهم المصارف أيضاً من خلال موظفيها في حاصلات ضريبة الدخل على الرواتب و​الأجور​، إذ أن حوالي 20% من هذه الضريبة، والبالغة 767 مليار ليرة في العام 2017 تعود لموظّفي المصارف، بينما هم يشكلون نسبة لا تتعدّى 1.5% من العمالة في لبنان.

إنطلاقاً من ذلك، يكون من الضروري العودة إلى الإتّجاهات المتوقّعة في هوامش الفوائد وأرباح المصارف، خصوصاً أنّ حالة التشنّج والتجاذب السياسي والتأخير في ​تشكيل الحكومة​ الحاليّة كان قد انعكس سلباً على الحركة الاقتصاديّة وتوافد الرساميل من الخارج، وعلى ثقة المستهلك والمستثمر وعلى حركة التحويلات من العملة المحليّة وخروج الأموال، ما استتبع ارتفاع معدلات ​الفائدة​ حماية للاستقرار النقدي، لكن استمرار العمل بفوائد مرتفعة ومتصاعدة مع انحسار السيولة لا سيما بالعملات الاجنبية تدريجياً، بات يشكّل خطراً داهماً على ​الدورة​ الاقتصاديّة وعلى المقترضين من أفراد وشركات، بل أيضاً على الهوامش التي اخذت تضيق مما سينعكس سلباً على القدرة التافسيّة للمصارف وعلى واجتذاب المستثمرين مما قد يعمق أيضاً ​العجز​ في ميزان المدفوعات.

في المحصّلة، ما تقدم يقود إلى ما تمت الإشارة إليه في التقارير السابق بعنوان: “لهذه الأسباب الإصلاح هو الأساس في معالجة الأزمة الإقتصادية”، أيّ أنّ النقطة المفصليّة في معالجة الخلل القائم تتوقف على الإصلاحات التي من المفترض أن تقوم بها الحكومة بعيداً عن لعبة التجاذبات السياسية المعروفة.

بواسطةماهر الخطيب
مصدرالنشرة الاقتصادية
المادة السابقةهذا ما سيفعله الحريري بعد عودته من السعودية
المقالة القادمةالحكومة في مهبّ الريح