دور النشر: إستمرارية الدور ولو بشق النفس

دور نشر تقاوم لتبقى و تستمر بسلاح بات من خارج هذا الزمن، وبعين الكلمة والفكرة تقاوم مخرز الانهيار والتدمير الممنهج والقتل والدمار والجهل، من الضعف تستمد قوة وتواجه بإصرارها وإصداراتها وإسعار كتبها زحف التصحّر الفكري الهاجم على لبنان من باب الانهيار الاقتصادي والسياسي والتعليمي والقيمي. ورغم كل الصعاب المادية وكلفة انتاج الكتب، ورغم إقفال العالم لابوابه تفتح دور النشر صدرها للكتاب والقراء وإن بشقّ النفس لتترك أمام الناس خياراً آخر في خضم الواقع المظلم.

دار رياض الريّس كانت تطبع أكثر من 50 كتاباً في السنة لكنها اليوم بالكاد تطبع خمسة او ستة كتب بعد أن باتت طباعة الكتب مكلفة جداً وسعر بيعها يصعب أن يرد كلفتها ولا سيما أنها تباع بالليرة اللبنانية. وتقول السيدة فاطمة الريس وهي مسؤولة الدار “قد لايكفي بيع ألف نسخة حتى يرد الكتاب كلفته”. الازمة التي تعيشها دور النشر معقدة، صحيح أن كلفة الطباعة وسعر الورق لم يتغيرا لكنهما باتا بالـ”فريش” دولار فيما المبيع بالعملة اللبنانية ويصعب رفع سعر الكتب لأنها قد لا تباع حينها، والأسعار تدور حول 40000 ليرة لتكون في متناول الجميع.

هذا واقع الحال في بيروت ولكن ماذا عن معارض الكتب في الدول العربية التي كان لدور النشر اللبنانية حضور قوي فيها؟ هل بدأ لبنان يغيب عنها ويتراجع دوره فيها؟ تقول الريس: لطالما كان اعتمادنا على المشاركة الفعالة في المعارض العربية، لكنها كلها متوفقة اليوم بسبب جائحة كورونا، وحده معرض الشارقة بقي مستمراً وسوف يكون لنا مشاركة فيه فيما لسنا متأكدين من مصير معارض الدوحة والكويت والرياض هذا العام وحتى معرض الشارقة لم يشهد الإقبال المعهود وتراجع رواده الى النصف بسبب جائحة كورونا بعدما كان يشهد كسواه من المعارض العربية إقبالاً كثيفاً. أما معرض بيروت الدولي للكتاب فقد غاب لسنتين وحتى الآن لا إعلان بعد عن إمكانية إقامته هذه السنة والعقبات أمامه كثيرة فلا دور النشر لديها القدرة على الدفع والمساهمة ولا الناس مهيأون لشراء الكتب في الوقت الحالي مع اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية يوماً بعد يوم”.

أزمة دور النشر في لبنان أبعد من بيروت وأزمتها الاقتصادية والسياسية بحسب ما تراها رشا سليم الأمير فالعالم العربي بأكمله شبه مدمر من العراق الى اليمن وفلسطين وسوريا يسوده الفقر والاضطرابات وباتت شعوبه غير قادرة على الحصول على حق أساسي من حقوقها ألا وهو التعلم، لذا بات من واجب دور النشر الوقوف في وجه القتل من خلال الكلمة، وإحياء الإنسان بالكتب.

تصرّ “دار الجديد” على لعب هذا الدور وتسعى لتأمين كتبها مجاناً لكل من يحتاج إليها وتأمينها بشكلها الإلكتروني عبر موقع الدار. “لا شك، تقول الأمير، ان الدار تعاني ومع انهيار لبنان الكلي والتغيرات الجذرية التي تحدث فيه حاولنا إيجاد حلول لا بل أسباباً للبقاء والاستمرار، ولم ندع الانهيار الاخلاقي يمنعنا من إصدار الكتب لن نيأس بل يجب ان نتواضع ونقبل بالخسارة. من جهة اخرى لقد صار العلم في لبنان ترفاً ولا بد لدار النشر ان تكون شريكة مع وزارة التربية والجامعات والنخب لضمان تأمين التعليم والكتب.

“قبل ان نسأل عن حال دور النشر ودورها اليوم لا بد ان نتساءل حول الكتاب وأية أولوية يشكل بالنسبة للناس في لبنان؟ اين نضعه بعد المأكل والكهرباء؟ ثمة عجز في كل شيء واول ما تتم التضحية به هو الكتاب” بهذا يجيب الإعلامي وصاحب دار “سائرالمشرق” انطوان سعد على سؤالنا ويضيف ان الأزمة كبيرة في لبنان ودور النشر تراهن اليوم على المعارض العربية لتأتي بالدولار من خلالها.

” نحن لن نسعر الكتاب اللبناني بالدولار بل نبيعه بالليرة اللبنانية على سعر الدولار الرسمي وبهذا يكون ارخص من اي كتاب ثان. لقد أخذت قراراً انه لا يمكنني ان أحمل على ضميري وزر عدم تمكن القارئ اللبناني من اقتناء الكتب بسبب سعرها لست او سبع سنوات مقبلة”

من هنا كان قرار دار “سائرالمشرق” الاستمرار بالمحافظة على أسعارها بغية وضع الكتب في متناول الجميع: “اغلى كتاب عندنا لا يصل سعره الى 50000 ليرة ولدينا كتب اقل من ذلك بكثير لكتّاب لبنانيين، لا بل ان 60 إلى 70% من كتبنا سعرها تحت 30000 ليرة وهذا السعر المخفض يقابله إقبال أكثر وبيع أكبر إن عبرنا مباشرة او من خلال المكتبات يقول انطوان سعد.

 

مصدرنداء الوطن - زيزي إسطفان
المادة السابقةقرار “المركزي” المنفرد متأخر مجتزأ ومشوّه
المقالة القادمةهذا ما حصل بين عون وسلامة وأدّى الى القرار ـ التحدّي