دوكان: المصارف مفلسة… والمعنيون يعيشون النكران!

أنهى السفير الفرنسي المكلف بتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان زيارته إلى لبنان، والتي كانت مخصصة لبحث كيفية التقدم في استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن بقرض من البنك الدولي، على أمل الحصول على استثناءات أميركية خاصة من قانون العقوبات (قيصر) المطبّق على سوريا. وكان دوكان في لبنان في إطار جولة تشمل عدداً من الدول والجهات المعنية بخطة دعم لبنان لزيادة ساعات التغذية الكهربائية فيه. وفي ختام الزيارة أمس، عقد دوكان لقاءً مصغراً في السفارة الفرنسية، دعيت «نداء الوطن» إليه، إذ دار نقاش عن الكهرباء وقضايا أخرى مثل الإصلاحات، والإتفاق مع صندوق النقد الدولي.

عالقون في الماضي

وقال دوكان: «وقّع لبنان الاتفاق مع الصندوق في نيسان الماضي، وصدرت آنذاك بيانات تأييد والتزام من الرئاسات الثلاث. بالنسبة إلينا، لم نرَ اعتراضاً سياسياً جوهرياً على الإتفاق. لكن تنفيذ الشروط المسبقة بطيء. كما لاحظنا أن بين السياسيين وشرائح أخرى في المجتمع وعموم الرأي العام من هو واقف عند الماضي سائلاً بإلحاح عن المسؤوليات، وعلى من تقع؟ مع أسئلة عمن فعل ماذا؟ ومَن سيدفع الخسائر؟… إلى آخر الأسئلة التي لا وجود فيها لما هو متعلق بالمستقبل».

وأضاف: «أستطيع القول إن البرنامج لا يقتصر على تنفيذ الشروط المسبقة. تنفيذها وتوقيع الإتفاق النهائي هما نهاية البداية وليسا بداية النهاية! فهناك 4 سنوات بعد التوقيع النهائي، خلالها تُطرح الخطط وتُنفّذ للمستقبل، وهي كثيرة وتشمل مسألة الضرائب، ودور الدولة المركزية او اللامركزية ونظام التقاعد والطاقة المتجددة.. لذا يجب النظر إلى الأمام، وفي لبنان طاقات قادرة على إخراجه من أزمته. أما البقاء عند الماضي ونقطة الخسائر، فهذا نقاش لا ينتهي».

مشكلة ملاءة وليست مشكلة سيولة

عن القطاع المصرفي، أكد دوكان انه لا يعاني مشكلة سيولة كما يعتقد البعض، بل مشكلة ملاءة بكل تأكيد، مشيراً الى أن سعر الصرف الجديد (15000 ليرة للدولار) سيؤكد ان هذه المصارف مفلسة، لكن المعنيين يعيشون النكران.

وأبدى دوكان ملاحظة خاصة بحركة اقتصادية يحكى أن فيها نمواً لبعض الأعمال وتأسيس شركات في قطاعات معينة. لكن ذلك، برأيه، لا يتطور إذا بقي القطاع المصرفي كما هو الآن، مشيراً الى ان مشروع القانون الخاص بهيكلة المصارف جيد، تقني، وليس مثيراً للجدل كقانون الإنتظام المالي الخاص بكيفية توزيع الخسائر.

الصندوق سيضيّق الفجوة بين الأغنياء والفقراء

ويكرر دوكان أن لا حل إلا بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي. فهناك قرض الصندوق وأموال أخرى من المقرضين والمانحين. فالاتفاق وتنفيذ الإصلاحات يعيدان المصداقية ويمكن انتظار استثمارات تباعاً. وكان لافتاً كيف ان دوكان واثق من أن الصندوق سيساعد على تقليص فجوة اللامساواة واللاعدالة الاجتماعية. تلك اللامساواة تفاقمت، كما يؤكد، خلال السنوات الماضية بسبب عدم اتخاذ القرارات العلاجية المناسبة للأزمة وتداعياتها. فضلاً عن عدم النظر إلى الأمام. وقال مجدداً: «اقول للبنانيين أنظروا إلى الأمام، واطرحوا الأسئلة الصحيحة للمستقبل، ولا توقفوا الزمن أمام مسالة توزيع الخسائر فقط».

«حزب الله» ليس ضد الصندوق!

ولدى سؤاله عن اعتراض «حزب الله» على الاتفاق مع الصندوق، قال دوكان إنه لم يلحظ أن هناك اعتراضات كبيرة وجوهرية. وأضاف: «كان يقال إنهم مع الاتفاق شرط عدم المساس بالسيادة الوطنية، وشرط عدم زيادة الضرائب على الناس. لم أسمع إعتراضاً على مبدأ التفاوض مع الصندوق، ولم أشهد موقفاً عدائياً ضد الصندوق. أما مسألة تحسين الشروط في التفاوض، فهذا حق مشروع شرط النظر إلى المستقبل لا البقاء في الماضي».

الإصلاح الضريبي أكثر من ضرورة

وبشأن الإصلاح الضريبي، المهم جداً برأيه، أوضح أنه اطلع على ورقة أعدها صندوق النقد بهذا الخصوص، وأتت على نقاط جوهرية من حيث العدالة الضريبية. وقال: «لم ألحظ أن الصندوق يريد رفع الضرائب على الجميع، لا بل هناك اقتراحات إعفاءات لشرائح المداخيل الصغيرة، كما أن الإقتراحات تأخذ بالإعتبار التضخم وتدهور سعر الصرف. ولا بأس في اعتماد سعر صيرفة للضرائب. فهذا الإصلاح الضريبي مطلوب في لبنان سواء التزم مع الصندوق أم لم يلتزم».

3 مليارات ليس مبلغاً قليلاً

ويردّ على من يقول إن مبلغ 3 مليارات دولار من الصندوق هو مبلغ صغير، وليس مبرراً كفايةً لإجراء إصلاحات قاسية: «إن قياس المبلغ الى حجم الناتج، الذي هبط الى نحو عشرين مليار دولار او أكثر قليلاً، يعد مبلغاً جيداً. الى ذلك، ستضاف مبالغ بنحو 6 الى 7 مليارات على الأقل خلال مدة تنفيذ البرنامج. ولا ننسى ان المصداقية والثقة كفيلتان بجذب استثمارات إلى العديد من القطاعات وبينها القطاع المصرفي».

قمة التفاؤل في حال التوقيع النهائي

وكان دوكان جازماً في تفاؤله حيال نتائج التوقيع النهائي مع الصندوق، فقال: «في اليوم الذي يوقّع فيه لبنان الإتفاق مع صندوق النقد سيرتفع سعر صرف الليرة بقوة وفوراً، وتتحسن معيشة كثير من اللبنانيين. سيستطيع اللبنانيون الحصول على الغذاء والدواء بأسعار أقل حتماً». وهنا تجدر ملاحظة دوكان أن أرباب أو أصحاب العمل في كل دول العالم التي دخلت في برامج مع الصندوق كانوا موافقين ومرحبين لا بل مطالبين ببرامج التمويل والإنقاذ، لكن هذا ليس الحال في لبنان… غريب أمرهم!

ماكرون: لن أترككم في العتمة!

اما عن هدف الزيارة الى لبنان، فأشار دوكان الى أنها بناء على طلب من الرئيس ايمانويل ماكرون، لاجراء تقييم حقيقي حول الموضوع. فواقع الحال حتى الآن هو أن كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر. والأطراف هي لبنان والأردن ومصر والولايات المتحدة والبنك الدولي. والمبادرة الكهربائية الفرنسية تأتي في سياق تغير المناخ الجيوسياسي في المنطقة لاعتبارات عدة مثل حصول الترسيم البحري، إضافة الى مبادرات مؤتمرين عقدا في بغداد وعمان للربط الطاقوي الإقليمي. وأضاف: «وذلك يندرج ايضاً في إطار ما سبق وقاله الرئيس ايمانويل ماكرون للبنانيين: لن اترككم لوحدكم. إذ يمكن اضافة لن اترككم في العتمة، لذا سنستمر في متابعة الإصلاحات المطلوبة نحو التقدم بها، مع زيارة مرتقبة الى واشنطن بخصوص الحصول على استثناء من قانون قيصر، لأن الغاز من مصر والكهرباء من الاردن يمران في سوريا. وهناك آراء حول ذلك في البيت الابيض ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة، كما سيزور دوكان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

إستعداد كامل في مصر والأردن

على صعيد ملف الكهرباء أيضاً، أكد انه وجد لدى مصر والأردن استعداداً تقنياً كاملاً، وفق الشروط التعاقدية التجارية التي وقعت. إنما هناك أسئلة حول قانون قيصر وماهية الإستثناءات، فضلاً عن القرض الذي سيخصص لذلك من البنك الدولي. والأسئلة تدور تحديداً حول الترجمة القانونية للإستثناءات المحتملة، وكيف يمكن صياغة ذلك بدقة «لأن الشياطين في التفاصيل عادة. فمصر والاردن يريدان وضوحاً تاماً بحيث لا يقعان تحت العقوبات. وتستطيع فرنسا القيام بهذا الدور لإيجاد حل. وإذا تعذر الحل، فعلى الأقل نكون قد وضعنا أيدينا على محددات القضية برمتها». وكشف انه في مصر والأردن ولبنان، دخلت مناقشاته في التفاصيل، لا سيما حول القرض ومدته وكيفية تمويل الاستجرار بشكل مباشر، إضافة الى مسألة الشفافية المطلوبة والمرتبطة بالتدقيق في حسابات شركة كهرباء لبنان. «هذا التدقيق يجب ان يبدأ، فهو غير مكلف، ويفترض أنه سهل ويمكن إنجازه في أشهر قليلة» كما أكد دوكان.

الهيئة الناظمة فوراً وبلا تعديل لقانونها

الى ذلك، هناك مسألة الهيئة الناظمة، مشيراً الى عدم ضرورة الدخول في مسار تعديل قانونها الآن، «علينا كسب الوقت لتوفير الكهرباء للبنانيين. ويجب العمل بالقانون كما هو حالياً، وتعيين أعضاء الهيئة الناظمة من دون تعديل في عددهم، ولا صلاحياتهم. علماً بأن ذلك كان منتظراً منذ سنة على الاقل».

قرض لدولة متوقّفة عن السداد

عن القرض من البنك الدولي والبالغة قيمته 300 مليون دولار، والذي يفترض انه قرض ميسر بفوائد قليلة مع فترة سماح، ذكر دوكان أن لبنان بوضعه الحالي، وهو متوقف عن السداد، مطلوب منه الاستمرار في تطبيق الشروط المسبقة الخاصة بالاتفاق مع صندوق النقد، وإلا فلن يحظى بقروض. جل ما يمكن الحصول عليه هو عبارة عن قروض خاصة بالشأن الاجتماعي، مثل قرض البنك الدولي لمعيشة الأكثر فقراً، وتأتي الكهرباء في هذا السياق. علماً بان هناك من سيطرح في البنك الدولي قضية القرض معترضاً على اعتبار ان لبنان متعثر، ويمكن ألّا يسدّد القرض. وسيسأل البعض الآخر عن تقدم لبنان في سبيل إصلاح قطاع الكهرباء، و»هنا دورنا نحن الفرنسيين في محاولة لتذليل العقبات، والدفع بالإصلاحات نحو الأمام».

تهريبة إعلان تعيين أعضاء الهيئة الناظمة

استغرب بيار دوكان كيف أن إعلان التعيين في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء أتى متأخراً، ثم ظهر قبيل نهاية العام الماضي بتعجل من دون إعلان كبير يليق بالتعيينات الخاصة بالهيئة (وكأنه تهريبة!). وأضاف:»كانت رسالتنا واضحة: لا تنتظروا تعديل القانون، لأنه سيتأخر في البرلمان حتماً. وربما يأتي التعديل لاحقاً خلال مدة التمويل، بعد ان يكون اللبنانيون حصلوا على كهرباء». ولاحظ دوكان بإيجابية رفع التعرفة على ان تعالج الخسائر التقنية وغير التقنية، معتقداً أن ذلك ممكن. لكن ما لم يستطع فهمه هو قرار مصرف لبنان توفير دولارات لشراء الفيول بسعر صيرفة مضافاً إليه نسبة 20%! وسأل: ما هذا؟ «إنه سعر لا يتناسب مع اي شيء مفهوم ومبرر، إنه اختراع» كما أشار بتعجب.

ستتحسّن الليرة ومعيشة اللبنانيين فور توقيع الإتفاق النهائي مع صندوق النقد

أرباب العمل في العالم مع برامج صندوق النقد… إلا في لبنان!… هذا غريب!

الجميع تقريباً عالقون في الماضي وتوزيع الخسائر… ويُغفلون آفاق المستقبل

تنفيذ الشروط المسبقة وتوقيع الإتفاق النهائي هما نهاية البداية وليسا بداية النهاية

 

مصدرنداء الوطن - منير يونس
المادة السابقة«كهرباء لبنان»: تعرّض منشآتنا للسرقة بوتيرة تتجاوز قدرتنا على تحمّلها
المقالة القادمة“مبنى تاتش الذكي” في خدمة زبائن مفلسين!