احد عشر شهراً مرت على انعقاد مؤتمر سيدر في العاصمة الفرنسية باريس حيث أبدت الدول المانحة نيتها لتمويل مشاريع بنى تحتية في لبنان من خلال قروض بنسب متدنية بقيمة ١١ مليار و٨٠٠ مليون دولار اميركي .
حوالى السنة مرت من دون ان يقدم لبنان على أي اجراء عملي للتوصل للاستفادة من الأموال المرصودة له. بالطبع هناك العديد من القوانين التي تمّ التصويت عليها في المجلس النيابي والتي هي من مطالب سيدر، إلا أن أيًا منها لم يأخذ طريقه إلى التطبيق.
مصادر اقتصادية أكدت ان لبنان لم يقدم أي خطة عملية في المؤتمر بل قدم عناوين مشاريع فقط. وهذا يعني أن أي مشروع مطلوب تمويله يفرض على الحكومة أن يترافق بدراسة جدوى إقتصادية إلا أنه ومنذ شهر نيسان ٢٠١٨ حتى اليوم لم توضع اي خطة لاي مشروع في اي قطاع بل مازال الكلام ارتجالياً .
وبدل ان ينكب المسؤولون على وضع الخطط العملية لقطاعات البنى التحتية وتقديم تصور عملي وعلمي لمشروع تطوير اي قطاع، فقد تلهوا بالمناكفات السياسية والخلافات على الأحجام والحصص الوزارية.
بالأمس وصل فيليب دوكان السفير المكلف متابعة مؤتمر سيدر الى لبنان والتقى كل المسؤولين للاطلاع منهم على الإجراءات التي اتخذوها للانطلاق بقطار سيدر، الا ان السفير الفرنسي تفاجأ مما لمسه، وهو : عدم جدية في التعاطي مع الإصلاحات المطلوبة في سيدر. مصادر شاركت في بعض اللقاءات كشفت ان دوكان كان قاسياً جداً في مقاربة الملفات وسمع المسؤولون كلاما حاداً منه، لاسيما في ما يتعلق بتشكيل الهيئات الناظمة في بعض القطاعات وادخال الاصلاحات، والأهم مشروع موازنة العام 2019 الذي تُظهر التوقعات الأولية أن يحوي عجز اً هائلاً يتخطّى عجز العام 2018 الفعلي والمُقدّر بحسب مصادر إقتصادية بأكثر من 6 مليار دولار أميركي.
دوكان ابدى تحفظه على ما جاء في البيان الوزاري في ما يتعلق بعدم زيادة التعرفة على الكهرباء قبل إصلاح القطاع، وسأل أين القوانين المتعلقة بتشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاع العام والخاص والخصخصة؟ اذ يرى خبراء سيدر انه لا يمكن إصلاح بعض القطاعات الا من خلال الخصخصة علماً ان هذا الموضوع يلقى اعتراضاً من بعض القوى السياسية مثل الحزب التقدمي الاشتراكي، وقد يواجه تمريره معارضة شرسة في مجلس الوزراء.
في اي حال فان لبنان يقف أمام استحقاقين اقتصادين: سيدر وماكينزي، الا ان المشروعين متناقضان في كثير من العناوين. فمثلًا نرى أن الشق الإستثماري في سيدر يدعو الى مشاريع في البنى التحتية فقط ورصد لهذه المشاريع اكثر من ١١ مليار، فيما ماكنزي يدعو الى إعطاء حيز مهم الى القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، والانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد الانتاجي. بمعنى أخر تطبيق خطّة ماكنزي ستخلق عجزاً كبيراً في الموازنة من دون أن يكون هناك خطّة أو أفكار حول كيفية تمويل هذه المشاريع وهو بالتحديد ما يتعارض مع شروط سيدر التي تطلب تخفيض العجز.
في اي حال يبدو ان المجتمع الدولي متحمس لإحداث تطوير في البنى التحتية اللبنانية اكثر من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم وهذه المقاربة ظهرت بوضوح من خلال دوكان وعتبه عليهم .
وهو قال لهم : لا تعتقدوا انه بات لديكم ١١ مليار دولار موجودة داخل خزنة تستطيعون مد يدكم والصرف منها ساعة تشاؤون، بل عليكم اجراء إصلاحات وتنفيذ مشاريع بطريقة شفافة كي نمول المشاريع بشكل مباشر .