دولار الـ٨٢٠٠ ليرة.. والقوّة الشرائية تحت رحمة تضخّم زاحف أو سريع!

مع انخفاض سعر الليرة ٨٢٠٠ مقابل كل دولار واحد، لم يصل لبنان بعد الى ما يسمّى بـ «التضخم المفرط» Hyperinflation والذي يسميه البعض «الانفجار التضخمي» الذي يحصل عندما ينخفض سعر العملة المحلية أحيانا مقابل العملة الأجنبية الرئيسية بمعدل ٥٠ بالمائة خلال شهر واحد، وهو المعدل الذي بات احتماله هاجسا كبيرا عند غالبية اللبنانيين مقيمين ومغتربين، حيث التضخم المفرط عندما يبدأ لا نعرف متى ينتهي وعند أي سقف والى أي حد ستنهار عنده القوة الشرائية وكم سيكون عليه ارتفاع الأسعار التي تتعرّض في حال هذا النوع من التضخم لتغيّرات سريعة ومفاجئة ليس لها قرار أو استقرار. وهذا لا ينطبق حتى الآن على لبنان لا سيما اذا اتخذت اجراءات نقدية فعّالة قد لا تعيد سعر الليرة غالبا الى ما كانت عليه لكنها قد تحد من جموح التضخم وتمنع انفجاره على الشكل المرعب الذي شهدته ألمانيا التي انخفضت عملتها بعد الحرب العالمية الأولى بين ١٩٢٣ و١٩٢٤ بمعدل مليارات % أو في هنغاريا عام ١٩٤٦ مئات الملايين % أو في زمبابوي عام ٢٠٠٨ ترليونات % أو أخيرا في فنزويلا ملايين %. وفي جميع هذه الحالات الاستثنائية، كان السبب طباعة أكوام هائلة جدا من العملات المحلية لتغطية نفقات هائلة جدا من موازنات هذه الدول بما لا ينطبق بالدرجة نفسها وبالحدة نفسها التي هي عليه حال لبنان اليوم.

صحيح ان الكتلة النقدية في لبنان ارتفعت من حوالي ٥٠٠٠ مليار ليرة في آب ٢٠١٩ الى حوالي ٧٥٠٠ مليار ليرة في أواخر تشرين الأول ٢٠١٩ الى ١٠٠٠٠ مليار ليرة في أواخر ٢٠١٩ الى ١٣٠٠٠ مليار ليرة في أواخر آذار ٢٠٢٠ الى حوالي ١٨٠٠٠ مليار ليرة في أواخر أيار ٢٠٢٠ الا أن كميات الليرات المتوافرة لدى المصارف والمؤسسات والأفراد، رغم ارتفاعها الحاصل، ما زالت محدودة ومحكومة ومتحكما بها بوسائل نقدية تحد من اتساعها الى درجة التضخم المفرط، وهي تطارد دولارات محدودة أيضا في حالة يمكن ربما الحد من جموحها ببضعة مليارات من الدولارات قد تتاتى من رزمة قروض أو ازدياد ملحوظ في تحويلات أو عائدات أو ربما بصورة مفاجئة في ارتفاع غير متوقع في سعر الذهب بما يضيف بضعة مليارات من الدولارات الى القيمة الحالية لـ9,2 ملايين أونصة التي يملكها لبنان.

وهذا كله على صعيد العامل النقدي المحض أو بما يسمّى عنصر السيولة Liquidity. وأما على الصعيد المالي Fiscal فهناك هوامش واسعة للتحرك باجراءات ولو محدودة قد تمنع التضخم المفرط، تعززها موجودات متنوعة الى جانب مخزون الذهب منها حوالي مليار متر مربع مساحات ممسوحة من أراضي الدولة ومؤسسات مربحة في القطاع العام بما يشكل ملاءة Adequacy عالية قد تساعد على وقف الجموح باتجاه التضخم المفرط.

ومع ذلك فان هذه المعطيات التي قد تقف في وجه هذا النوع من التضخم المدمر للمجتمع، لا يجوز ان تعني أن نترك للتضخم المعتدل أو الزاحف Creeping Inflation ان يبقى بين ظهرانينا كما هو حاصل الآن، أو التصخم السريع Walking Or Running Inflation كما قد يحصل بعد الآن وفي وقت قريب أو بعيد، حيث التضخم مثل الوباء: القليل منه مخيف والكثير منه مميت!

مصدرذو الفقار قبيسي - اللواء
المادة السابقة“الأشغال” توصي بالتفاوض مع الجزائر والكويت لتأمين النفط
المقالة القادمةمفاوضات الصندوق تشاؤمية!