هكذا، تقرر أن يصبح الدولار الجمركي 45 ألف ليرة، وبمعنى آخر، أن يكون ملاصقاً لسعر منصّة صيرفة التي ترتفع تدريجياً، رغم أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يساوي ضعف سعر المنصّة، ويتّجه نحو المئة ألف ليرة قبل أيام قليلة من الدخول في شهر رمضان، والذي غالباً ما يشهد ارتفاعاً بأسعار السلع والخضار.
كيف وُلدت الزيادة المفاجئة في سعر الدولار الجمركي؟ للوهلة الاولى التي انتشر فيها خبر الزيادة ظنّ البعض أنه إشاعة، لكن لمن يُدرك ما حصل خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الإثنين الماضي، فهو يعلم أنّها ليست كذلك، إذ تكشف مصادر متابعة أنه عندما تم البحث في الزيادات المطروحة للقطاع العام، أعلن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل أن الخزينة غير قادرة على تحمل مبلغ الزيادات الذي يتراوح بحسب دراسات وزارة الماليّة ما بين 7.5 و8.5 آلاف مليار ليرة، كاشفاً أنّه بصدد البحث عن طريقة للتمويل، الى جانب ما تؤمّنه الضرائب والرسوم على سعر منصّة صيرفة، والتي ارتفعت بشكل كبير خلال الشهر الماضي.
الإقتراح الأول لوزارة المال كان رفع سعر الدولار الجمركي ليوازي سعر صيرفة، وبحسب المصادر لم يعترض أحد على الأمر داخل مجلس الوزراء، وقد تواصلت وزارة الماليّة بشكل رسمي مع رئاسة الحكومة لهذه الغاية، على اعتبار أنها الطريقة الوحيدة لدفع الزيادات المطروحة للقطاع العام دون خيار طبع العملة، وقد وافقت رئاسة الحكومة على الطرح، فكان القرار بإعلانه فوراً وبدء العمل به وهذا ما حصل.
الغريب بحسب المصادر هو أنّ الزيادات للقطاع العام التي سيدفع ثمنها كل مواطن، لن تُحسّن ظروف حياة الموظفين، بل على العكس ستزيد همومهم، ومعهم هموم كل المواطنين، لأن كل زيادة تُقرّ يُقابلها ارتفاع بسعر الدولار وأسعار السلع والخدمات، وبالتالي ما يحصل عليه الموظف في يده اليمنى، يدفع أضعافه في اليد اليسرى، وهذه المرة لن يتغيّر الحال، فقبل إقرار الزّيادات ارتفعت الأسعار، وعند إقرارها ستكون بلا جدوى، وهذا يشبه كل المعالجات التي تتخذها الحكومة، والتي لا تساهم سوى بمزيد من الفوضى والإنهيار.
تؤكد المصادر أنّ الموظفين المضربين لن يعودوا عن إضرابهم بعد إقرار هذه الزيادات التي ستكون قاصرة عن تأمين الحلول، لذلك فإن الإجراءات التي تجري هي مجنونة من قبل سلطة باتت عاجزة عن تقديم أيّ معالجة جدّية للواقع الصعب.
ترافق رفع الدولار الجمركي مع بدء التسعير بالدولار داخل السوبرماركات، وهو إجراء قد يشكلا حلاً لو تم تطبيقه بشكل سليم وهو ما لن ولم يحصل، إذ بحسب مصادر في وزارة الإقتصاد فإنّ موجبات القرار سليمة، لكن تنفيذه سيكون كارثياً، مشيرة عبر “النشرة” الى أن المشكلة ستكون بالرقابة، فمن يُراقب الأسعار بالدولار، ومن يتحقّق من هامش الربح، خاصة أن بضعة سنتات اليوم باتت تشكل عبئاً كبيراً بالليرة اللبنانية.
تجزم المصادر في وزارة الإقتصاد أنّها وأجهزتها غير قادرة على الرقابة، وهنا تطلب المصادر من المواطن التنبّه والبحث عن الأسعار الأرخص، ومقارنة بعضها ببعض، لاختيار الأنسب.
أما بخصوص سعر الصرف في السوبرماركات، فقد علمت “النشرة” أن أصحاب السوبرماركات سيعتمدون على سعر السوق الأعلى، مع هامش إضافي يتمّ احتسابه بالسنتات على ثمن السلعة، لأنّ تبدل سعر الصرف أكبر من أن يسمح لأحد أن يعمل وفق طريقة واضحة، ومعادلة حسابيّة دقيقة، لذلك لا يتوقع هؤلاء أن تنجح هذه الآلية لأنّ عناصر نجاحها غير متوافرة.
كل هذه “الدولرة” تعني نتيجة واحدة، وهي أنّ سعر صرف الدولار سيستمر صعوداً، حتى ولو اتخذ مصرف لبنان قرارات تخفّض السعر قليلاً لفترة محدودة، إلا أنّ البلد دخل في مسار اقتصادي أصبح من المستحيل الخروج منه دون حلّ سياسي شامل، يفتح الباب أمام حلول اقتصاديّة، يبدو أن السلطة القائمة أعجز من أن تقوم بها، خاصة بظلّ اللامبالاة الجارية، فهل يُعقل أن ما بين دولار 30 ألف ليرة، ودولار 90 ألف ليرة، لم نسمع جهّة تبدّل خطابها، أو تعلن تنازلها في مكان ما لأجل الشعب؟!.