رغم ارتفاع موجة المواد المعيشية، لجأت بعض المستشفيات الكبرى إلى رفع فاتورة الاستشفاء من دولار الـ1515 ليرة الى دولار يتراوح ما بين ٣٠٠٠ و٣٩٠٠ وحتى ٣٩٥٠ ليرة، وعلى أبواب رفع مصرف لبنان الدعم عن الدواء ووسط موجة ارتفاع سعر الدولار الى ٨٥٠٠ و٩٠٠٠ دولار باتجاه طريق العودة الى الرقم القياسي ١٠٠٠٠ دولار وأكثر، ما يضع البلاد، وسط جائحة الكورونا، في عاصفة جامحة تهدد حياة اللبنانيين تضاف الى العواصف المعيشية والاقتصادية والمالية والنقدية المتواصلة والأزمات السياسية المزمنة.
والغريب ان هذا الاجراء جاء عن كامل الفاتورة دون أن تأخذ بالاعتبار «الشيطان» الكامن في تفاصيل بنودها Items التي جزء كبير منها تدفعه المستشفيات بالليرة اللبنانية لا سيما بند الرواتب والأجور وسواها من النفقات التشغيلية، ومع ذلك رفعتها كلها بسعر دولار ٣٩٠٠ ليرة ودون أن ترفق قرار رفع الفاتورة بدراسة اقتصادية تفصيلية عن كل بند على حدة، وبما لا يمكن للمواطن ان يتحمل زيادة أكلاف المرض بعشرات ملايين الليرات تضاف الى مئات ملايين الليرات كي يبقى على قيد الحياة!
كما ان من الغرائب أن يأتي الاجراء وسط أزمة دواء خانقة لجهة ندرة أو اختفاء العديد من الأدوية الأساسية من أصل ٥٥٠٠ صنف دواء في لبنان سواء بسبب التخزين لدى بعض الصيدليات أو بعض شركات الاستيرادات أو بسبب العديد من المواطنين الذين ما ان سمعوا في تموز الماضي من بعض الأطباء ان مصرف لبنان بعد أن يوقف الدعم الكثير من الأدوية سيختفي من السوق، حتى دب الهلع لديهم لا سيما لدى ذوي الأمراض المزمنة التي تحتاج الى أدوية دائمة، وسارعوا الى شراء كميات كبيرة منها بالسعر المدعوم أو تخزينها تجنبا لارتفاع أسعارها أو فقدانها بالنظر لصعوبات استيرادها بسبب شح الدولار. ولدرجة ان مصادر صيدلانية واستيرادية أشارت الى انه سحب من الصيدليات في ١٠ أيام أكثر من استهلاك شهر كامل. وساهم في المزيد من «تفريغ» الصيدليات من بعض أصناف الأدوية عمليات تهريب الى خارج لبنان وبأسعار أعلى بكثير من سعرها المدعوم في لبنان. وهذه العمليات كانت أحد أسباب قرار رفع الدعم عن الدواء والسلع المعيشية، اضافة الى السبب الرئيسي: نزيف الاحتياطيات النقدية بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان.
علما ان بعض الاحصاءات تشير الى انه بدل دعم الدواء المستورد لو ان هذا الدعم توجه الى الدواء المصنوع في لبنان والذي يؤمن حتى الآن أكثر من ٢٠% من حاجة السوق فان هذه النسبة قد ترتفع عندها الى أكثر من ٤٠% وسيقتصر الدعم عندها فقط للمواد الخام الضرورية لصناعة الدواء الوطنية، ولعدل جبران خليل جبران عبارته الشهيرة الى: ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتتداوى بما لا تصنع!