أثبت الاقتصاد الخليجي على مدى السنوات الماضية قدرته على التأقلم مع الظروف الاقتصادية العالمية المضطربة، لتتمكن دول المنطقة الست في نهاية المطاف وبعد عمل دؤوب من دخول قائمة أفضل 10 اقتصادات على مستوى العالم.
ويشكل هذا المعطى دليلا على صواب خطط الإصلاح الاقتصادي التي تصب بشكل أساسي في تعظيم الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة على الرغم من الرياح المعاكسة التي تعرضت لها في بعض الفترات.
ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بالأسعار الجارية بواقع 25.4 في المئة بنهاية هذا العام ليصل إلى نحو 2.1 تريليون دولار قياسا بنحو 1.68 تريليون دولار قبل عام، مستفيدا من ارتفاع إنتاج وأسعار النفط.
وسيشكل الاقتصاد الخليجي اثنين في المئة من الاقتصاد العالمي البالغ 103.8 تريليون دولار، محتلا بذلك المرتبة التاسعة عالميا.
وبفضل ذلك النمو تزيح دول المنطقة إيطاليا من مركزها لتحتل المرتبة العاشرة بإجمالي ناتج محلي عند نحو تريليوني دولار.
وتواصل الولايات المتحدة تصدر القائمة بحجم ناتج محلي يبلغ نحو 25 تريليون دولار، تليها الصين بنحو 19.9 تريليون دولار وبعدها اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة والهند وفرنسا وكندا على التوالي.
وكانت اقتصادات دول الخليج تحتل المركز الثاني عشر بنهاية العام الماضي بحصة بلغت 1.75 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي والذي بلغ 96.3 تريليون دولار.
وبنهاية العام الذي تفشت فيه الأزمة الصحية جاءت دول المنطقة في المركز الثالث عشر، ما يعني أن الاقتصاد الخليجي تقدم أربع مراتب خلال عامين فقط.
واستفاد منتجو النفط في الخليج من الارتفاع الحاد في أسعار الخام منذ بداية العام الماضي وارتفاع الطلب عقب تخفيف قيود الإغلاق في معظم الدول جراء الوباء.
كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى حدوث اضطرابات في الإمدادات، ما نتج عنه مواصلة الأسعار ارتفاعها رغم أنها تراجعت قليلا في بعض الفترات تحت حاجز المئة دولار للبرميل.
وانعكس هذا الوضع على تحقيق حكومات الخليج لفوائض مالية في ميزانياتها لأول مرة منذ فترة طويلة، فضلا عن تحسين تصنيفاتها الائتمانية.
ووفقا لرصد وحدة التقارير بصحيفة “الاقتصادية” السعودية الذي نشر الاثنين، التي استندت إلى بيانات صندوق النقد الدولي، فإنه من المرجح أن تبلغ حصة السعودية من الاقتصاد الخليجي هذا العام نحو 49.3 في المئة.
وبحسب مؤشرات صندوق النقد، فإن الناتج المحلي الإجمالي لأكبر منتج للنفط في العالم سيتجاوز للمرة الأولى في تاريخ البلاد حاجز التريليون دولار أي بواقع 1.04 تريليون دولار.
وستستفيد السعودية من عوائد النفط الكبيرة التي حققتها طيلة أشهر الحرب في شرق أوروبا، مما ساعدها في ضخ جزء منها في مشاريع بنية تحتية وتحفيز الصناعة والصادرات فضلا عن المضي قدما في سياسة توطين الوظائف مما يحفز سوق العمل المحلي.
وسيأتي ارتفاع حجم الناتج الإجمالي الخليجي بشكل رئيسي من صعود الاقتصاد السعودي بنسبة 24.8 في المئة، بما قيمته 206.5 مليار دولار.
وهذا الرقم يعادل 48.3 في المئة من الزيادة الإجمالية المتوقعة في الاقتصاد الخليجي والبالغة 427 مليار دولار خلال هذا العام.
وعن ترتيب دول الخليج من حيث الناتج المحلي بالأسعار الجارية خلال 2022، تأتي الإمارات خلف السعودية بناتج محلي يبلغ حوالي 501.4 مليار دولار، ليشكل 23.8 في المئة من حجم اقتصاد دول الخليج.
وتحل قطر ثالثا بناتج محلي قيمته 225.7 مليار دولار، وهو ما يمثل 10.7 في المئة من الناتج المحلي لدول مجلس التعاون، ثم الكويت رابعا بناتج محلي قدره 186.6 مليار دولار، مشكلا 8.9 في المئة من الناتج المحلي لدول الخليج.
وفي الترتيب الخامس، تأتي سلطنة عمان بناتج محلي قيمته 110.1 مليار دولار، يشكل نحو 5.2 في المئة من الناتج المحلي الخليجي، وسادسا البحرين بناتج محلي قدره 44.2 مليار دولار، يمثل 2.1 في المئة من الناتج المحلي لبلدان المنطقة الست.
ووفق تقييم أصدره صندوق النقد العربي الشهر الماضي سيدعم تواصل الزيادة في أسعار النفط والغاز مستويات الإنفاق العام المحفز للنمو لهذه الدول، ليرتفع المعدل المتوقع إلى ستة في المئة هذا العام مقابل 3.2 في المئة قبل عام.
ولا تزال تعتمد دول الخليج اعتمادا كبيرا على صادرات النفط والغاز التي تزيد نسبتها عن 70 في المئة من إجمالي الصادرات السلعية رغم الخطط المتعلقة بتنويع الاقتصاد والاعتماد على القطاع غير النفطي ونقل التكنولوجيا.
وتوقع خبراء الصندوق في تقرير نشره آنذاك أن تستعيد القطاعات المتضررة مستويات ما قبل الوباء مدعومة بعودة الأعمال بالكامل وتدفق الاستثمارات الأجنبية.
كما أن الأثر الإيجابي لارتفاع أسعار النفط وزيادة الانفاق الحكومي الرأسمالي يسهم في استمرار الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز نمو الاقتصاد غير النفطي، ويدعم القطاع الخاص.
وفي أبريل الماضي ساق صندوق النقد الدولي مؤشرات إيجابية للنمو في منطقة الخليج. وأكد أن الاقتصادين السعودي والكويتي مرشحان لتسجيل معدلات تفوق ما سيسجله جيرانهما هذا العام.
ورجح أن تشهد الكويت معدل نمو عند 8.2 في المئة ثم السعودية بمعدل 7.6 في المئة تليها عُمان بتوقعات عند 5.6 في المئة، ثم الإمارات بمعدل نمو 4.2 في المئة، وقطر 3.4 في المئة بينما البحرين 3.3 في المئة.
واعتبرت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية قبل فترة أن مسألة تنويع الموارد الاقتصادية لدول المنطقة لا تزال بعيدة.
وقالت إنه من المرجح أن يستغرق تحقيقها عدة سنوات فيما سيلي ذلك التنويع المالي مع تأخر إضافي لأن ما لا يقل عن نصف إيرادات دول الخليج تأتي من الهيدروكربونات.
وأشارت إلى أن الخطط المعلنة لتعزيز الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز والتعهدات الحكومية بضرائب صفرية أو شديدة التدني تجعل من المستبعد أن يتقلص هذا الاعتماد بشكل كبير في السنوات المقبلة، حتى مع إحراز بعض التقدم في التنوع الاقتصادي.