زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتين إلى بيروت هي جزء من الإحتفالات ببدء الحفر في البلوك رقم 9، إنفاذاً لاتفاقية الترسيم البحري الموقّعة أواخر عام 2022، حسب ما جاء في وسائل الإعلام محلية، أو كما وصفت وسائل الإعلام الزيارة، ليظهر حين حصولها أنها، في الشكل، ليست سوى “جولة سياحية”، من الروشة إلى بعلبك، فيما كانت طريق الناقورة أبرز الغائبين عنها.
ما بقيَ طي الكتمان أو لم يجرؤ أحد على البوح بتفاصيله، يتعلق بأهداف أخرى تضمنتها زيارة هوكشتين، نذكر منها:
1- إستكمال ما بوشرَ به في الناقورة منتصف الشهر الماضي من مفاوضات “غير مباشرة” بين وفدين أمنيين لبناني وإسرائيلي برعاية الأمم المتحدة (دون إجراء لقاءات مباشرة) على هامش “الإجتماع الثلاثي” لتحديد ما بقيَ من نقاط متحفظٌ عليها على البر.
2- معاينة الخطط اللبنانية في ما خصّ أعمال الإستكشاف في البلوك رقم 8 المحاذي للبلوك 9، من بينها إطلاق مشروع المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد.
في الواقع، يحتل البند الثاني أعلاه حيّزاً واسعاً من اهتمام هوكشتين والإدارة الأميركية. وقد سبق لهما أن سعيا إلى “اجتزاء” جزء من البلوك 8 وضمّه إلى المياه الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل. وتعود الرغبة إلى التداخل الحاصل بين الحقول الموجودة في الجزء الفلسطيني وتلك الموجودة في الجزء اللبناني، وما لدى العدو من معطيات بالغة الأهمية في هذا المجال.
ومن الأسرار أن اهتمام الولايات المتحدة بالبلوك 8 وما يحيط به، يأتي في سياق اهتمامها بكامل البحر المتوسط بعدما أدرجته من ضمن خططها المستقبلية لتوفير “إمدادات الطاقة إلى أوروبا” واستكمال خططها لمعالجة أزمة الطاقة في القارة العجوز الناتجة في المبدأ عن الحرب الأوكرانية، فتحررها من السلطة الروسية، وتجعل من موارد الطاقة تحت إشرافه المباشر.
في أي حال، منح في 8 آب الماضي رخصة إستطلاع في البلوك 8 لتحالف مكوّن من شركة Geoex البريطانية، وهي شركة رائدة في مجال إجراء بيانات المسح الجوفية وبارعة في تصميم خرائط المسوحات الجيولوجية المفيدة في رسم ودراسة المناطق المحتمل أنها غنية بالموارد الطبيعية، وشركة brightskies geoscience المصرية المختصة في تقديم خدمات التصوير والمعالجة الزلزالية بما خصّ مشاريع النفط والغاز، على أن تباشر الشركتان بالتعاون بينهما، إجراء مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد لرقعة تبلغ مساحتها حوالي 1400 كيلومتراً مربعاً في البلوك المذكور، بما في ذلك إجراء عمليات تصوير لقاع البحر تحديداً في الأماكن التي يُعتقد أنها تحوي هياكل جيولوجية – هيدروكربونية. وبحسب المعلومات المتوفرة، ستدوم فترة عمل الشركتين حوالي العام منذ تاريخ بدء الأعمال.
ويتردد أن الشركة الإنكليزية، ستقوم بإرسال إحدى بواخرها الى الرقعة رقم 8 خلال شهر تشرين الثاني (أو الشهر الذي يليه)، مع الإشارة هنا، إلى أن الشركتين لم تحددا موعداً نهائياً لبدء الأعمال، إنما ربطت تحديد الموعد بـ”رغبة المستثمرين”. وتُشير معلومات إلى أن المناقصة رست بدايةً على الشركة المصرية، لكن اقتُرح لبنانياً أن يُضمّ إليها “شريك أجنبي” لمساعدتها في عملها.
في وقتٍ لاحق، تحتاج الشركة إلى مدة لا تقل عن شهر ونصف إلى شهرين، لإنجاز أعمال المسح في المياه العميقة جداً. وستستغرق الشركة شهرين إضافيين على أقلّ تقدير لتجميع البيانات المفيدة في تصميم الخريطة الأولية، ومدة أخرى لتجميع البيانات الزلزالية، وما يعادل ذلك لغرض معالجة البيانات ودرسها وتحليلها وتقييمها بإشراف فريق من المختصين، وصولاً لإنجاز خريطة متكاملة توضح موضع المكامن الجيولوجية المحتملة، وهو ما يفيد في استقطاب الشركة العالمية المهتمة بأعمال الإسكتشاف عن الغاز للحصول على “الداتا”. لكن ذلك كله، على ذمّة مصادر، يرتبط بالنتائج المتوقعة في البلوك 9، الذي له القدرة على رفع قيمة موجودات البلوك 8 أو خفضها، وله تأثير مباشر على مسار فتح دورات تراخيص لتلزيم البلوكات الأخرى غير الملزمة بعد، لا سيما منها البلوك 8.
غير أن ذلك وعلى أهميته، لا يعود له بالضرورة التقرير في هوية الشركات المقبلة على أي استثمار، في ضوء وجود شركة “توتال” في الرقعة المذكورة، لا سيما وأن الشركة لم تخفِ أمام معنيين، إهتمامها في كافة البلوكات المحاذية للبلوك رقم 9 “إن اتضح وجود اكتشاف تجاري فيه”، ما فسّر على أن الشركة تنوي “حجز” البلوكات لنفسها مستقبلاً. ما دعم هذه النظرية، وجود توجه لبناني – سياسي واضح، يتولاه معنيون مباشرون، يدعم فكرة منح “توتال” حقوق التنقيب لاحقاً ليس في البلوك 8 إنما في سائر البلوكات الحدودية الجنوبية على وجه الخصوص. وفي اعتقاد هؤلاء أن “توتال” قادرة على الوصول إلى نتائج ربطاً بتوفر خبرة لديها في التعامل مع إشكاليات من قبيل المناطق المتداخلة، مما يعني أننا أمام “ديل” سياسي – إقتصادي فرنسي لبناني لم يعلن عنه بعد.
ويذكر هنا، أن أحد المسؤولين الكبار، كان حثّ، خلال زيارته منصة التنقيب في البلوك رقم 9 مؤخراً، شركة “توتال” على المبادرة وتبنّي البلوكات الحدودية اللبنانية مع توالي صدور الإشارات منه أنه يدعم مثل هكذا خطوة في حال طُرحت على النقاش جدياً.
عودة على بدء، لا بدّ أن يتوفر هنا دور أميركي ما، ولا بدّ أن يتولاه هوكشتين ربطاً بأدواره “الطاقوية” في المنطقة وانسجاماً مع التوكيل الرسمي الأميركي الممنوح له. فسواء عثر في البلوك 8 على هياكل جيولوجية متداخلة أسفل الخط 23 أم لا، تضمن ما تسمى “إتفاقية الترسيم” حفظ دور أميركي مستقبلي في رعاية أي “نقاش” حدودي بين لبنان و إسرائيل بصفة “وسيط”.