أصدر ديوان المحاسبة قراراً يرفض فيه 15 عقداً استثنائياً مع متعاقدي برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP) لدى المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء. فعقود نقل موظفي البرنامج الى كنف القطاع العام بقرار من وزير المال غازي وزني وموافقة من رئيسَي الجمهورية والحكومة يخالف الأصول والإجراءات القانونية بطريقة اختيار الموظفين، ويحصل في ظل تجميد عمليات التوظيف وفي فترة تصريف الأعمال
منذ نحو شهر، وقبيل يوم واحد من انتهاء عقود موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، جدّدت الدولة اللبنانية عقود نحو 150 موظفاً في مختلف الوزارات لمدة عام واحد. حصل ذلك بناءً على قرار أعدّه وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، وبطلب من رئيس الحكومة حسان دياب، لكن مع تعديل جذري يتيح للوزارات التعاقد مباشرة مع موظفي البرنامج وبالليرة اللبنانية، فيما جرت العادة أن تكون عقودهم مع الأمم المتحدة، وبالدولار. يومها، أدخل وزني هذه العقود ضمن العقود الاستثنائية، ونالت موافقة استثنائية من رئيسَي الجمهورية والحكومة ميشال عون ودياب، ليلتحق موظفو الـ»UNDP» بالقطاع العام بعد أن انتقلت عقودهم الى الوزارات التي كانوا يعملون فيها، في موازاة إنهاء برنامج الأمم المتحدة بعد نحو 20 عاماً على بدء عمله في مؤسسات الدولة (راجع الأخبار). كان المفترض بتلك العقود أن تنال موافقة ديوان المحاسبة المسبقة، لكن تم إسقاط هذا الشرط القانوني وتجاوز الديوان عبر تذييل القرار بتوقيع الوزير المختص وكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ليست تلك المرة الأولى لوزني في هذا السياق، فقد قام أيضاً بتوقيع عقود التدقيق في حسابات مصرف لبنان بالطريقة نفسها، وذلك يرتّب مسؤولية رئيسية عليه. نتيجة هذه المخالفة شكلاً، أي إنجاز عقود استثنائية، ومضموناً بما يتعلق بآلية التعاقد مع الموظفين، أصدر رئيس ديوان المحاسبة محمد بدران قراراً أول من أمس يقضي بعدم الموافقة على 15 مشروع عقد استثنائي بين الدولة اللبنانية ممثلة بشخص رئيس مجلس الوزراء كفريق أول، وموظفي برنامج الأمم المتحدة كفريق ثان، لقاء تعويضات شهرية وبقيمة إجمالية بلغت ملياراً و55 مليوناً و400 ألف ليرة لبنانية، بناءً على موافقة استثنائية صادرة عن عون ودياب. جرى إبلاغ هذا القرار الى كل من وزني ودياب وعون، إضافة الى مراقب عقد النفقات والنيابة العامة لدى الديوان. وكان مراقب عقد النفقات قد أرسل كتاباً الى الديوان بتاريخ 20/10/2020 يودع بموجبه إحالة المديرية العامة لرئاسة الحكومة الرقم 1751/ص/2020 تاريخ 1/10/2020 المتعلقة بهذه العقود. أما مقتضيات الرفض فتعود الى أن عملية تغطية الاتفاقات كانت تتم عبر مساهمات مالية وافق عليها الديوان، بعد توصية الإدارة بوجوب إجراء التوظيف وفقاً للأصول والقوانين، وعدم منح أي مساهمة مستقبلاً الى أي منظمة لتقوم بهذا التوظيف. وهذه التوصية لا يمكن أن تفسر بالاتجاه الذي يفيد بإجراء عقود استثنائية على النحو المعروض في الملف لثلاثة أسباب:
1- لا يمكن أن يكون اختيار الموظفين متروكاً لكل وزارة أو إدارة على حدة، ويجب لزوماً العودة الى قانون الموظفين الذي حصر شؤون اختيار الموظفين بجهاز مركزي متخصّص هو مجلس الخدمة المدنية.
2- تم تجميد كل عمليات التوظيف في الإدارات والمؤسسات العامة بموجب أحكام المادة 80 من قانون موازنة عام 2019 التي أوجبت وقف جميع حالات التوظيف والتعاقد تحت التسميات كافة (متعاقد، مياوم، شراء خدمات)، باستثناء الاتفاق ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لكل إدارة والعقود التي تجدد سنوياً. العقود الاستثنائية المعروضة في قرار وزني لا تدخل ضمن هذا المفهوم.
3- العقود المعروضة في ظل استقالة الحكومة وسياسة وقف التوظيفات بشكل عام لا يمكن أن تدخل في مفهوم النطاق الضيق لتصريف الأعمال.
في الختام، يتطرق قرار الديوان الى أنه يعود للإدارة في الحالة الراهنة، ومن العام 2020 حصراً، إجراء عقود مصالحات مع أصحاب العلاقة عملاً بأحكام المادة 1035 من قانون الموجبات والعقود، وبمبدأ عدم جواز الإثراء أو الكسب غير المشروع «على حساب الغير»، للتعويض عن كل عمل أو استشارة أو خدمة قام بها الخبراء التابعون لبرنامج الأمم المتحدة المذكورة حتى تاريخه؛ شرط ألا يكونوا قد تقاضوا عن هذه الأعمال بدلات من البرنامج نفسه.
ليست هذه المخالفة الأولى لوزني، فقد قام أيضاً بتوقيع عقود التدقيق في حسابات مصرف لبنان بالطريقة نفسها
قرار الديوان لا يعني وقف هذه العقود التي يجري العمل بها منذ شهر وباتت موضع تنفيذ نتيجة موافقة كل من عون ودياب الاستثنائية. قد يكون الحل بطلب مصالحة أسوة بملفات مشابهة انتهت على هذا الشكل، رغم أنه لا مبرّر فعلياً لمخالفة وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني القوانين، أكان ذلك تحت حجة السرعة أم ضيق الوقت أم عدم قدرة الوزارات على تسيير بعض البرامج والمعاملات والمواقع الإلكترونية وأنظمة المكننة من دون هؤلاء. فمشروع إنهاء البرنامج وضع على طاولة البحث منذ تأليف حكومة دياب، وكان أحد أهم مشاريع رئيس الحكومة تحت عنوان ترشيد الإنفاق، نظراً إلى الأموال المهدورة على هذا البرنامج منذ التسعينيات، من دون أن يحقق هدفه بتطوير قدرات الإدارة العامة؛ ولأن مهمة هذا البرنامج كانت محددة بثلاث سنوات، قبل أن تسير على الطريقة اللبنانية فتتوّج عامها العشرين من دون إنتاج أو فعالية. (راجع الأخبار). في موازاة ذلك، جرى اقتراح حلّ مشكلة بطالة نحو 150 موظفاً عبر مخرج «استثنائي» يقضي بنقل عقودهم الى كنف الدولة، وتعديل دفع الرواتب المحددة بالدولار الى الليرة اللبنانية، وبحسب سعر الصرف الرسمي (أي 1515 ليرة للدولار الواحد)، ما يعني فعلياً أن قيمة رواتب هؤلاء قد انخفضت من جرّاء ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء، علماً بأن الرواتب تراوح ما بين ألفَين و10 آلاف دولار شهرياً، فضلاً عن أن هذه «العقود الاستثنائية» تمهد للاستنسابية في التوظيف، لأنها تضع مصير الموظفين بيد الوزير حصراً، فينتقي من يريد دون غيره، من دون الحاجة الى تعليل قراره، وبصرف النظر عمّا إذا كان يحظى بالمؤهلات المطلوبة لمنصبه أو لا.،كما أنه يؤدي الى عدم المساواة بين موظفي القطاع العام الأصليين والمتعاقد معهم حديثاً، أكان من ناحية الراتب أم من ناحية الهرمية الوظيفية.