ذهول في الصيدليّات… وموت بطيء للمرضى

شكّل الارتفاع الجنوني بأسعار الادوية ضربة قاضية للعائلات الفقيرة والمتعففة ولذوي الدخل المحدود، حيث وجدت نفسها مضطرة وعن غير قصد امام ترتيب سلّم اولوياتها، للمفاضلة بين تأمين قوت اليوم، واشتراك المولدات الخاصة وشراء الادوية في خضم الازمة المعيشية والاقتصادية الخانقة التي سلبتها كل انواع العيش الكريم وحرمتها الكماليات وغالبية الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها في القرن الحادي والعشرين.

في السابق، حين يصاب الانسان بالصداع يذهب الى الصيدلية لشراء “البنادول”، ولكن وفق محمود البابا بات الذهاب اليها اليوم يجلب الصداع نفسه، فالاسعار نار”، فـ”البنادول” كان يوزع مثل “البونبون” وصار كالذهب”، متسائلاً “هل سيأتي يوم ويعتمد المرضى خطة تقشف في شراء الادوية، كأن يشتروا بعضه، او يتناولوا حبة بدلاً من 2 او 3″؟

وتقول الصيدلانية سمر سكاكيني لـ”نداء الوطن”: “نحن والمرضى ندفع الثمن، لاننا ببساطة لسنا المسؤولين عن ارتفاع الاسعار، وجدنا انفسنا في بوز المدفع خلال الازمة وكثيراً ما عملنا على استيعاب غضب الزبائن او استيائهم او حتى مشاكلهم من فقدان الادوية، ونخشى اليوم ان يتكرر المشهد مع الارتفاع الجديد، لقد خسرنا رأسمالنا ولم نعد قادرين على شراء كميات مثل السابق، وابسط مثال على ذلك كرتونة “البنادول” كنا نشتريها بـ 120 الف ليرة اليوم بمليون و800 الف، والحال يمتد الى ادوية السكري والضغط والدهن وسواها”، معربة عن خشيتها من اضطرار مرضى الى وقف تناول أدويتهم، او اللجوء الى الدواء المهرب او الفاسد (منتهي الصلاحية) للحصول عليه بسعر أرخص”.

ومع ارتفاع اسعارها، باتت الشركات المتخصصة تسلم كميات من الادوية المفقودة، نحو 80% بات متوفراً، والباقي ينتظر اياماً او اسابيع، اذ لم تقدم منذ اشهر طلبات الاستيراد بانتظار معرفة وجهة وزارة الصحة بالتنسيق مع مصرف لبنان. ويوضح الصيدلي هاني الجردلي لـ”نداء الوطن” ان الشركات انتظرت ولم تستورد الادوية كافة لمعرفة تسعيرتها وما اذا كانت ستبقى مدعومة او سيرفع عنها الدعم، او بانتظار ان تقبض مستحقاتها المالية الماضية وفق الفواتير المقدمة منها الى مصرف لبنان”، مشيراً الى “ان المرضى يأتون الى الصيدلية وباتوا يعلمون بارتفاع الاسعار بسبب دور الاعلام في نشر القرارات الاخيرة، لكن قلة منهم يُصدمون بها ويجادلوننا وكأننا اصحاب القرار، هناك تذمر كبير ويسعى بعضهم لمقارنة الاسعار بدول الخليج او تركيا او سوريا للحصول على الاوفر تماشياً مع اوضاعهم المالية”.

فقدان الادوية وارتفاع اسعارها انعكس ايضاً تقشفاً في المستوصفات الطبية والجمعيات الخيرية والصحية، التي كانت تقدم الادوية للمرضى بأسعار رمزية، وجدت نفسها اليوم عالقة بين سندان شح الوزارة ومطرقة ازدياد طلبات المرضى، فيما “العين بصيرة واليد قصيرة” في خدمة الاكثر فقراً وحاجة لرعاية صحية مع استفحال الازمة المعيشية ومنها الاستشفائية والطبية، تحديداً لاصحاب المرضى المزمنة والخبيثة والمستعصية ليصح القول فيهم الكتابة على غلاف علب الادوية “يجب ان يبقى بعيداً من متناول الفقراء بدلاً عن متناول الاطفال”..

مصدرنداء الوطن - محمد دهشة
المادة السابقة“لا بديل” عن الأسواق الخليجيّة!
المقالة القادمةنموذج «أوكساغون» يؤسس لأول علاقة صناعية بيئية عالمية